فانتفشت وتجمعت للوثب؛ وتلك الحالة من أحوالها أشنع وأنكر: وهذا تحقيقٌ للشبه، وتصويرٌ لقباحة المنظر. والذرور في الشمس أصله الانتشار والتفريق. قال:
كالشمس لم تعد سوى ذرورها
أي طلوعها وانتشار ضوئها. قال الخليل: المهارشة من الكلاب وغيرها كالمحارشة. ويقال: فلانٌ يهارش بين الكلبين.
فلم تغن جرمٌ نهدها إذ تلاقيا ... ولكن جرماً في اللقاء ابذعرت
جرمٌ ونهدٌ: قبيلتان من قضاعة. ومعنى ايذعرت: تفرقت. وأضاف نهداً إلى ضمير جرمٍ، لاعتماده كان عليها، واعتقاده الاكتفاء بها. والمعنى لم تنصرها فكانت تكتفي بها وتغنى، ولكن جرماً انهزمت، وهامت على وجهها فمضت، واصطلت نهدٌ بنار الحرب، فمست حاجتها إلى من يؤازرها، ويناهض الأعداء معها.
ظللت كأني للرماح دريةٌ ... أقاتل عن أبناء جرمٍ وفرت
يقول: بقيت نهاري منتصباً في وجوه الأعداء، والطعن يأتيني من جوانبي، وكأني للرماح بمنزلة الحلقة التي يتعلم عليها الطعن، أذب عن جرمٍ وقد هربت هي. ويجوز أن يكون: كأني للرماح صيدٌ. فقد حكى أبو زيد أنه يقال للصيد خاصةً دريةٌ، غير مهموزةٍ، ودرايا؛ كأن هذا من دريت أن ختلت. فأما الدابة التي يستر بها من الصيد، فإذا أكثب رمي من خلفها، فذكر أبو زيدٍ أنها تسمى دريئة الصيد، بالهمز. قال: ويقال: درأتها نحو الصيد وإلى الصيد وللصيد، إذا سقتها. وكأن هذا من الدرء، وهو الدفع. وقد تسمى تلك الدابة الذريعة والسيقة والقيدة. وأنشدت عن أبي العباس المبرد، رحمه الله، أنشدنيه حمزة بن الحسن، قال: أنشدنيه علي بن سليمان الأخفش عنه:
إذا نصبنا لقومٍ لا ندب لهم ... كما تدب إلى الوحشية الذرع
الذرع: جمع ذريعة، كصحيفة وصحف. وإن جعلت كأني في موضع الحال فأقاتل في موضع الخير لظللت حينئذ.