ممزوجة، لأنه يقال: قتلت الخمر إذا مزجتها، فكأنه أراد أن يعلمه أنه قد فطن لما فعله، ثم ما اقتنع بذلك حتى دعا عليه بالقتل في مقابلة المزج، وقد أحسن كل الإحسان في تجنيس اللفظ أنه أعقب الدعاء عليه بأن استعطى منه ما لم يقتل، يعني الصرف التي لم تمزج.
وقوله: أرخاهما للمفضل، يعني به اللسان، وسمي مفصلا بكسر الميم، لأنه يفصل بين الحق والباطل، وليس ما اعتمده «عبيد الله بن الحسن» من الإسماح وخفض الجناح مما يقدح في نزاهته أو يغض من نبله ونباهته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(فلبثت أزمانا طوالا فيهم ... ثم اذكرت كأنني لم أفعل)
(أو ما ترى رأسي تغير لونه ... شمطا فأصبح كالثغام الممحل)
(ولقد شربت الخمر في حانوتها ... صهباء صافية كطعم الفلفل)
(يسعى إلي بكأسها متنطق ... فيعلني منها وإن لم أنهل)
(إن التي ناولتني فرددتها ... قتلت- قتلت- فهاتها لم تقتل)
(كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل)
ثم إن قوله: إن التي ناولتني إلخ عنى بها الخمر الممزوجة بالماء، ثم قال: كلتاهما حلب العصير يريد الخمر المتحلبة من العنب والماء المتحلب من السماء المكنى عنه بالمعصرات في قوله تعالى: {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا}. قال «أبو محمد»: هذا ما فسره «عبد الله بن الحسن القاضي»، وقد بقي في الشعر ما يحتاج إلى كشف سره وتبيان نكته.
أما قوله: إن التي إلخ فإنه خاطب به الساقي الذي كان ناوله كأسا ممزوجة (لأنه يقال: قتلت الخمر إذا مزجتها) قال «الراغب»: أصل القتل إزالة الروح عن الجسد كالموت، لكن إذا اعتبر بفعل المتولي لذلك يقال: قتل، وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال: موت، واستعير على سبيل المبالغة فقيل: قتلت الخمر بالماء إذا مزجته، ووجه الاستعارة فيه أنه يزيل شدتها وسورتها، فجعلت نشأتها كروحها، أو جعلت بسكرها عدوا يستحق أن يقتل كما قلت: