ومثل الملائكة في المجيء على هيئة البشر: الجنُّ، كما ثبت في صحيح البخاري (2311) عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصَّة الذي يأتي إليه ويحثو من الطعام، وكما تأتي الجنُّ على هيئة البشر؛ فإنَّها تأتي على هيئة الحيَّات، كما في صحيح مسلم (2236) .
والملائكةُ والجنُّ وهم على هيئتهم يَرون البشرَ من حيث لا يرونهم، وقد قال الله عزَّ وجلَّ عن الجنِّ: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}
الثالثة: ليس في مجيء جبريل على هيئة البشر دليلٌ لِمَا حدث في هذا الزمان من التمثيل الذي هو نوع من الكذب؛ لأنَّ جبريل تحوَّل بقدرة الله وإذنه عزَّ وجلَّ عن هيئته التي خُلق عليها وله ستمائة جناح إلى هيئة بشر.
الرابعة: في مجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلوسه بين يديه بيان شيء من آداب طلبة العلم عند المعلِّم، وأنَّ السائلَ لا يقتصر سؤاله على أمور يجهل حكمها، بل ينبغي له أن يسأل غيرَه وهو عالِم بالحكم ليسمع الحاضرون الجواب، ولهذا نسب إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث التعليم، حيث قال: "فإنَّه جبريل أتاكم يعلِّمكم دينكم"، والتعليم حاصلٌ من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه هو المباشر له، ومضافٌ إلى جبريل؛ لكونه المتسبِّب فيه، وفي صحيح مسلم (10) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلوني، فهابوه أن يسألوه"، فجاء رجل فسأله، وفي آخره قال صلى الله عليه وسلم: "هذا جبريل أراد أن تعلَّموا إذ لَم تسألوا".
الخامسة: لم يَرِد في الصحيحين سلام جبريل عند مجيئه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي حديث أبي هريرة وأبي ذر عند أبي داود الذي أشرت إليه قريباً: