4 ـ قوله: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طَلَعَ علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر ولا يعرفه منَّا أحدٌ، حتى جلس إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأسنَد ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفَّيه على فخذيه"، ثم سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها، وقال بعد ذلك: "فإنَّه جبريل أتاكم يعلِّمكم دينَكم" فيه فوائد:
الأولى: جاء في صحيح البخاري (50) ومسلم (9) عن أبي هريرة قال: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بارزاً يوماً للناس"، وفي سنن أبي داود (4698) بإسناد صحيح عن أبي ذر وأبي هريرة قالا: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيَّهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلَ له مجلساً يعرفه الغريب إذا أتاه، قال: فبنينا له دكاناً من طين، فجلس عليه، وكنَّا نجلس بجنبتيه"، وفي هذا دليلٌ على أنَّه ينبغي للمعلِّم أن يكون على مكان مرتفع لكي يُعرف وليراه الحاضرون جميعاً، لا سيما إذا كان الجمعُ كثيراً، فيتمكَّن الجميعُ من الاستفادة منه.
الثانية: أنَّ الملائكةَ تأتي إلى البشر على شكل البشر، ومثل ذلك ما جاء في القرآن من مجيء جبريل إلى مريم في صورة بشر، ومجيء الملائكة إلى إبراهيم ولوط في صورة بشر، وهم يتحوَّلون بقدرة الله عزَّ وجلَّ عن الهيئة التي خُلقوا عليها إلى هيئة البشر، وقد قال الله عزَّ وجلَّ في خلق الملائكة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} ، وفي صحيح البخاري (4857) ، ومسلم (280) أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى جبريل وله ستمائة جناح،