"فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منىً فأهلوا بالحج" أحرموا به "وركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى بنا الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس" هذه السنة، "وأمر بقبةٍ من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وكل هذا على سبيل الاستحباب، يعني لو أن شخص من غير مانع لم يحرم بالحج إلا يوم عرفة، وخرج مباشرةً إلى عرفة، ما جلس بمنى وبات بها إلى ليلة التاسع، وجلس بنمرة كفعله -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن الاقتداء به، والائتساء به أكمل، لكن هذه سنن، من تركها لا شيء عليه، من تركها لا شيء عليه.
"وأمر بقبةٍ من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية" يزعمون أنهم أهل الحرم، فلا يخرجون منه وعرفة من الحل ليست من الحرم، ومزدلفة كما هو معروف من الحرم، كانت قريش ومن يدين بدينها من الحمس يقفون بالمشعر، ولا يخرجون إلى عرفة، بينما غيرهم من القبائل يخرجون إلى عرفة، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- خالفهم في هذا ووقف بعرفة {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [(199) سورة البقرة] "حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء" ونمرة بجنب عرفات وليست منها، ولذا لا يجزئ الوقوف فيها، "فنزل به حتى إذا زاغت الشمس فأمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي -وادي عرنة- فخطب الناس" وهو أيضاً ليس من عرفة، ولا يجزئ الوقوف فيه عند جمهور العلماء، وإن قال مالك بالإجزاء مع الإثم، وادعى أنه من عرفة، ودليل الجميع حديث واحد، دليل الجمهور ودليل مالك حديث واحد، هو قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ارفعوا عن بطني عرنة)) الجمهور يقول: أمرنا بأن نرفع عنه ولا نقف فيه؛ لأنه ليس من عرفة، ومالك يقول: لولا أنه من عرفة لم يذكر، ما يحتاج إلى ذكر لو لم يكن من عرفة فيجزئ الوقوف فيه مع الإثم، وقد يلزمون الواقف فيه بدم، لكن يجزئه الوقوف، والصواب هو قول الجمهور كما هو معروف.