على كل حال هذه مناسبة لذكر هذا الذكر فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من الذكر، والذكر في موطنه أفضل من غيره، فقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له في هذا الموضع أفضل من قراءة القرآن، كما أن التسبيح بالركوع والسجود أفضل من التلاوة، بل التلاوة حرام في حال الركوع والسجود كما هو معروف، لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، أنجز وعده، بنصر الدين وتحقيق ما وعده الله نبيه من إعلاء كلمته، ونصر عبده، يعني نفسه -عليه الصلاة والسلام-، وهزم الأحزاب وحده، في غزوة الأحزاب لما تحزبوا واجتمعوا لحربه -عليه الصلاة والسلام- هزمهم الله -سبحانه وتعالى-.
"ثم دعا بين ذلك" صيغة التكبير: الله أكبر، كما هو معروف، ثم دعا بين ذلك، دعا بين التوحيد والتكبير، قال مثل هذا ثلاث مرات، فأعاد التوحيد والتكبير والدعاء ثلاثاً، ومنهم من يقول: يوحد ويكبر ثلاثاً ويدعو مرتين، لكن الحديث صريح في كون الدعاء يكرر ثلاثاً كالتوحيد والتكبير، ثم نزل إلى المروة، بدأ بالصفا، والسعي هذا منه -عليه الصلاة والسلام- هو سعي الحج والعمرة، سعي القران، وهو ركن من أركان الحج، كما ِأنه ركن من أركان العمرة، والقارن لا يلزمه إلا سعي واحد، كما هو معروف، فهذا السعي ركن عند جماهير أهل العلم، وإن لم يره الحنفية ركناً، ومن العجب أن يستدل الحنفية بقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} [(158) سورة البقرة] يقول: يرفع الجناح يرفع الإثم فقط، ومع ذلكم يوجبون القصر مع أن دليله في القرآن بهذه الصيغة، {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [(101) سورة النساء] مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سعى وقال: ((خذوا عني مناسككم)) بل أمر بالسعي.
"ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى" هو يسعى من الصفا إلى المروة هذا كله سعي، فكيف يقول: "حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى؟ " السعي هو الجري، الركض، وجاء في بعض الروايات أن إزاره يرتفع عن ركبته -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أنه سعي شديد.