نفي هذا الذي سموه اشتراكا وتشبيها، ولا على نفي هذه الأمور التي سموها أجزاءً وتركيبًا وتقسيمًا، فإنهم يقولون: هو عاقل ومعقول وعقل، ولذيذ ولذة وملتذ، وعاشق ومعشوق وعشق.
وقد يقولون: هو عالم قادر مريد، ثم يقولون: العلم هو القدرة، والقدرة هي الإرادة، فيجعلون كل صفة هي الأخرى , ويقولون: العلم هو العالم ـ وقد يقولون: هو المعلوم ـ فيجعلون الصفة هي الموصوف أو هي المخلوقات.
وهذه أقوال رؤسائهم، وهي في غاية الفساد في صريح المعقول، فهم مضطرون إلى الإقرار بما يسمونه تشبيهًا وتركيبًا، ويزعمون أنهم ينفون التشبيه والتركيب والتقسيم؛ فليتأمل اللبيب كذبهم وتناقضهم وحيرتهم وضلالهم؛ ولهذا يؤول بهم الأمر إلى الجمع بين النقيضين، أو الخلو عن النقيضين. ثم إنهم ينفون عن الله ما وصف به نفسه، وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لزعمهم أن ذلك تشبيه وتركيب. ويصفون أهل الإثبات بهذه الأسماء، وهم الذين ألزموها بمقتضى أصولهم، ولا حيلة لهم في دفعها. فهم كما قال القائل:
رمتني بدائها وانسلت.
وهم لم يقصدوا هذا التناقض، ولكن أوقعتهم فيه قواعدهم الفاسدة المنطقية التي زعموا فيها تركيب الموصوفات من صفاتها، ووجود الكليات المشتركة في أعيانها. فتلك القواعد المنطقية الفاسدة التي جعلوها قوانين تمنع مراعاتها الذهن أن يضل في فكره، أوقعتهم في هذا الضلال والتناقض ثم إن هذه القوانين فيها ما هو صحيح لا ريب فيه، وذلك يدل على تناقضهم وجهلهم، فإنهم قد قرروا في القوانين المنطقية أن الكلي هو الذي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، بخلاف الجزئي , وقرروا ـ أيضًا ـ أن الكليات لا تكون كلية إلا في الأذهان؛ دون الأعيان. وأن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون إلا في الذهن، وهذه قوانين صحيحة.
ثم يدعون ما ادعاه أفضل متأخريهم؛ أن الواجب الوجود هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق عن كل أمر ثبوتي.
أو كما يقوله طائفة منهم: أنه الوجود المطلق بشرط الإطلاق عن كل أمر ثبوتي وسلبي، كما يقول ذلك من يقوله من الملاحدة الباطنية، المنتسبين إلى التشيع، والمنتسبين إلى التصوف.
أو يقوله طائفة ثالثة: إنه الوجود المطلق لا بشرط، كما تقوله طائفة منهم.
وهم متفقون على أن المطلق بشرط الإطلاق عن الأمور الوجودية والعدمية لا يكون