لكن هنا مسألة لابد من فقهها، وهي التي يقع بموجبها كثير من الإشكال، وهي أنه إذا قيل في طائفة من الطوائف: إنها ليست طائفة كافرة، فإنه لا يلزم من هذا أحد أمرين:
الأمر الأول: لا يلزم أن أقوالها لا تكون أقوالاً كفرية، أي: إذا قيل عن طائفة ما: إنها ليست كافرة عند السلف، أو: إن السلف تنازعوا في ثبوت كفرها، فإنه لا يلزم من ذلك أن السلف تنازعوا في كون أقوال هذا الطائفة فيها مادة من الكفر الأكبر، ولذلك لا شك أن في أقوال هذه الطوائف وأصولها ما هو من حيث المقالة والحقيقة كفر بإجماع السلف، وهذا لا جدل فيها، بل شيخ الإسلام ابن تيمية يقول -وهذا كلمة بنصها-: "ما من إمام من أئمة المتكلمين إلا وفي كلامه ما هو كفرٌ في نفس الأمر".
حتى ابن كلاب الذي كان ينتسب إلى أهل السنة، ويعده كثير من أصحاب السنة المتأخرين من أصحاب السنة المتكلمين، وكذلك أبو الحسن الأشعري في كلامهم ما هو كفر، وأيضاً الأشاعرة المتأخرون في كلامهم ما هو كفر، لكن أطبق أهل السنة المتأخرون على عدم تكفيرهم، وهذا قول محققيهم، وإن نازع من نازع كـ أبي إسماعيل الهروي؛ فإن المحققين كـ شيخ الإسلام وأمثاله لا يرون كفرهم مع أن في أقوالهم ما هو كفر.
إذاً: لا يلزم أن تكون أقوال الطائفة التي تنازع السلف -كالخوارج والروافض- أو ترددوا في تكفيرهم بريئة من الكفر، بل قد يكون عندهم مقالات كفرية، لكنهم لا يكفرون بها كطائفة، فضلاً عن أنهم يكفرون بها كأعيان.