[وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير المرجئة والشيعة المفضلة، ونحو ذلك].
هذا هو النوع الأول، وهو الطوائف التي لم يتنازع السلف في عدم كفرها، وقوله: "في عدم تكفير المرجئة والشيعة المفضلة" لا يعني انحصار هذا النوع في هاتين الطائفتين.
والشيعة المفضلة هم الذين يفضلون علياً على أبي بكر وعمر، فبدعة التفضيل عند الشيعة بإجماع السلف ليست من البدع الكفرية.
أما المرجئة فهم: من أخرج الأعمال -إما الظاهرة فقط، أو الظاهرة والباطنة- عن مسمى الإيمان، وهذا الذي عليه عامة المرجئة، وهؤلاء -أيضاً- لم يتنازع السلف في عدم تكفيرهم.
فإذا قيل: إن جهم بن صفوان من المرجئة، وفي تكفيره والجهمية كلام معروف للسلف.
قيل: جهم بن صفوان ومن معه يعتبر القول في تكفيرهم بجملة أصول، أعظمها وأجلها: قولهم في باب الأسماء والصفات، فهو أشد أغلاطهم وضلالاتهم ..
هذه جهة.
الجهة الثانية: أن قول جهم بن صفوان في مسألة الإيمان قد نص غير واحد من السلف على أنه كفر إذا ما التزم جهم ظاهر مقالته، فإنه يقول: إن الإيمان هو المعرفة.
فمن التزم أن الإيمان هو المعرفة -بمعنى العلم الإدراكي الذي لا يصاحبه قبول- وجعل هذا هو الإيمان الذي أوجبه الله ورسوله، فلا شك أن قوله هذا كفر؛ لأنه يلزم منه أن يكون اليهود والكفار مؤمنين أي: إذا ما فسر الإيمان بالعلم أو بالمعرفة التي هي محض الإدراك للمسائل أو للمعاني، وإن لم تقع استجابة وإذعان وقبول، فلا شك أن هذا القول كفر؛ لأنه يلزم منه أن اليهود وفرعون مؤمنون؛ لقول الله تعالى في اليهود: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146] ولقوله في فرعون ومن معه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:14].
إذاً: إنما قرر من قرر من السلف في قول جهم في الإيمان أنه كفر؛ لهذا الاعتبار.
أي: إذا ما قصر الإيمان على العلم أو المعرفة الإدراكية المحضة التي ليس معها قبول فهذا القول كفر؛ لأنه قطع لامتياز الإسلام عن غيره من الملل، وتسوية بين الإسلام واليهودية وكفر فرعون
إلى غير ذلك، وهذا لا شك أنه كفر.
فإذا قيل: هل جهم يقول بذلك؟
قيل: من تكلم من السلف في مقالته فعلى هذا المراد.
وأما أن جهم يقول ذلك أو لا يقوله فهذه مسألة سبق أن بينا أنها مسألة محتملة ومترددة.
[ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء].
قال: ولم تختلف نصوص أحمد أنه لا يكفر هؤلاء، مع أن الإمام أحمد وردت عنه رواية أن قول جهم بن صفوان في الإيمان كفر، وقد نقلها شيخ الإسلام عن الإمام أحمد في مسألة قول جهم، وهذا ليس تعارضاً في كلام الشيخ، فإذا ما كان كذلك فهو على التفسير السابق.