[وهذا يبنى على أصل آخر، وهو تكفير أهل البدع، فمن أخرج الجهمية منهم لم يكفرهم، فإنه لا يكفر سائر أهل البدع؛ بل يجعلهم من أهل الوعيد بمنزلة الفساق والعصاة، ويجعل قوله: "هم في النار" مثل ما جاء في سائر الذنوب، مثل أكل مال اليتيم، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} [النساء:10] ومن أدخلهم فيه، فهم على قولين، منهم من يكفرهم كلهم، وهذا إنما قاله بعض المستأخرين المنتسبين إلى الأئمة أو المتكلمين].
قول المصنف: "وهذا يبنى على أصل آخر، وهو تكفير أهل البدع" هذا التقرير الذي ذكره المصنف إنما هو تقرير المتأخرين من أهل السنة، فهم الذين فصلوا من جنس هذا التفصيل.
وأما المعتبر في مسألة تكفير أهل البدع فهو المأثور عن السلف، وهو ما أبانه المصنف بقوله: وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا ..
إلخ.
إذاً التقرير السابق هو تقرير المتأخرين، وليس هذا التقرير على وجه تام من التحقيق، بل فيه بعض القصور والتردد، وإنما المعتبر في مراد شيخ الإسلام رحمه الله -وهو المعتبر الشرعي الصحيح- هو ما كان دارجاً عند السلف ومستقراً عندهم رحمهم الله.
وقد بين في كلامه هذا أن الطوائف عند السلف في الجملة تنقسم إلى ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: طائفة أجمع السلف على عدم كفرهم.
الطائفة الثانية: طائفة حصل في كلام السلف تردد أو تنازع في كفرهم.
الطائفة الثالثة: طائفة قد استقر الأمر على كفرهم.
وهذا التقسيم إذا ذكر فهو باعتبار المعاني والحقائق ولا يلزم أن يكون باعتبار الأعيان، فإن هذا الاطراد قد لا يكون متحصل العلم على الضرورة.