القول بتكفير الجهمية

[وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، قالوا: إن الجهمية كفار فلا يدخلون في الاثنتين والسبعين فرقة].

هذا التقرير من بعض أصحاب أحمد يقع على أحد وجهين:

الوجه الأول: أن من محققي الحنابلة من يقرر مراد ابن المبارك على وجهه، وهو أنه أراد الغلاة ..

وهذا ليس لـ ابن المبارك اختصاص فيه، بل جميع السلف يرون أن الغالية كانوا على قدر من الزندقة، وأصل هذه البدع ليس له بالإسلام صلة، بل هو فلسلفة مولدة بما يسمى علم الكلام.

الوجه الثاني: أما من فهم من أصحاب أحمد أن ابن المبارك يرى أن كل من نسب إلى التجهم -أي: كل من دخل عليه شيء من تعطيل الصفات- ليس من أهل القبلة ..

فهذا نقول: إنه فهم غلط من بعض أصحاب أحمد على ابن المبارك وأمثاله من السلف.

[كما لا يدخل فيهم المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، وهم الزنادقة].

"الزنديق" لفظ لم يستعمل في الكتاب ولا في السنة، بل ولا معروف في لسان العرب، ولكنه استعمل عندما جاءت الدولة الإسلامية فيما بعد، ويراد بالزنديق: المنافق في لسان الصحابة أو في كلام الله ورسوله، فإذا ذكر الأئمة أن فلاناً من الزنادقة أو قالوا: الرد على الزنادقة فإنهم يريدون المنافقين، ولكن الفرق بين نفاق من كان في المدينة كـ عبد الله بن أبي وبين هؤلاء: أن نفاق هؤلاء نفاق علمي، فهم يظهرون أنهم على الكتاب، ولكنهم إذا تكلموا في الحقائق الإيمانية الأولى: المعرفة بالله ونبوة النبي صلى الله عليه وسلم وما إلى ذلك، لم يلتزموا الحقائق القرآنية، بل يلتزموا المعارف الفلسفية التي وصلت إليهم من ملاحدة الفلاسفة، فهؤلاء زنادقة بمعنى أنهم منافقون، لأنهم أظهروا التسليم بالقرآن وإذا أتوا إلى حقائقه امتنعوا عن تصديقها، وذهبوا إلى تصديق ما يعارض هذه الحقائق، وزعموا أنهم يتصرفون مع القرآن بالتأويل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015