[فالخوارج لما فارقوا جماعة المسلمين، وكفروهم واستحلوا قتالهم جاءت السنة بما جاء فيهم].
إذاً: الإمام ابن تيمية يقرر أنه لم يشرع قتالهم لمحض قولهم، بل لقولهم الذي تضمن فعلاً وهو القتال والاستحلال لرقاب المسلمين ودمائهم، ومن المعلوم أن القتال والقتل لا يستلزم الكفر، فإن الإنسان قد يكون كافراً بالإجماع ومع ذلك يحرم قتله ويحرم قتاله، ومثال ذلك: أهل الذمة، وهم من دفع الجزية من أهل الكتاب أو حتى من غير أهل الكتاب على الصحيح، فهذه طائفة كافرة لكن يحرم قتالها، وكذلك المعاهد المعين، أو رسول المشركين الذي يأتي برسالتهم ورأيهم وما إلى ذلك، فهؤلاء كفار ومع ذلك يحرم قتالهم.
وعكس هذه الصورة: مسلم بالإجماع ومع ذلك يجب قتاله، كالطائفة الممتنعة من جنس الخوارج الصائلة على دماء المسلمين؛ فإن الصحابة أجمعوا على قتالها مع حكمهم بإسلامهم.
وكذلك المعين من المسلمين قد يكون قتله واجباً، ومثاله: من قتل عمداً فطلب أولياء الدم القتل، فإن قتله يكون واجباً مع إسلامه ..
إلخ.
وبهذا يتبين أنه لا تلازم بين القتل والمقاتلة وبين الكفر.
[كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة)].
لأن هذا من باب عصم المسلمين من شرهم وفتنتهم.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيهم مقامات، وهي قوله: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم) فكانوا مظهرين للنسك والعبادة، وكانوا عباداً زهاداً، لكنهم لم يكونوا على السنة، وبهذا يعلم أن الأصل المطرد عند المسلمين وفي كتاب الله وفي سنة نبيه: أنه لابد من الجمع بين مقام العلم والعمل، فلابد من اتباع السنة مع الإخلاص لله سبحانه وتعالى في العمل، أي: أن الإخلاص إذا انفرد عن الاتباع فإنه لا يكون كافياً.
ومن هنا نعلم أن الإنسان لا يلزم من مجرد إخلاصه أو غيرته الهداية، فإن ما ذكره الله في كتابه شرطان: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] الشرط الأول قوله: "جاهدوا" أي: بذلوا المجاهدة -وهي بذل الوسع- قال: "فينا" وهذا هو مقام الإخلاص، "لنهدينهم" هذا هو ثبوت الهداية.
إذاً من جمع المقامين لا بد أن يكون مهدياً، ومن قصر في أحد المقامين فهذا عرضة للغلط والشر والفتنة، وهذا معنى: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72].