ثمة أقوال لبعض الأعيان هي من البدع المخالفة للإجماع، ومع ذلك تعرض هذه الأقوال عروضاً في أقوالهم وفي أحوالهم العامة، بمعنى: أن هذا المعين يكون في جمهور أمره على السنة والجماعة من جهة الموالاة والمعاداة، فهو يوالي السلف وأهل السنة، وينبذ البدع والابتداع، وهو في أقواله في مسائل الأصول على أقوال السلف، ولكن عرض له شيء من الخطأ في بعض مقامات أصول الدين عروضاً قد يخفى فيما هو من مثل هذا.
فهذا وإن كان قوله الذي عرض له بدعة مخالفة للإجماع، وقد أنكره السلف وشددوا فيه إلا أن صاحبه لا يخرج به عن السنة والجماعة، ويصبح من أصحاب البدع، بل يعد من أصحاب السنة على هذا القدر من التعليق في شأنه.
ويكون خطأه -وهذا هو الذي أفاده المصنف في هذا المقام- في الجملة من باب الخطأ الذي اجتهد فيه.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) كما في حديث عمرو بن العاص في الصحيحين.
وهذا يعني: أن ثمة أقوالاً هي في الأصل من أقوال أهل البدع والضلال عرضت لبعض الفضلاء من الفقهاء أو من أصحاب السنة والجماعة، فهذه الأقوال وإن سماها السلف بأسماء إلا أن من عرضت له لا يجوز أن يسمى بأسماء هذه الكلمات.
فلا يلزم من تسمية السلف لهذه أن من عرضت له هذه الكلمات يسمى بهذه الأسماء من جهة الخروج من السنة، فضلاً عن جهة التكفير، فضلاً عما هو فوق ذلك كالمآلات في الآخرة.
ومن مثال ذلك: أن الإمام أحمد رحمه الله لما سُئل عن حديث الصورة، ومن يقول فيه: إن الله خلق آدم على صورته -أي: على صورة آدم- أو على صورة المضروب أو نحو ذلك؛ قال: "هذا قول الجهمية".
وكان أحمد وأمثاله يذهبون إلى أن المراد: على صورة الرحمن.
ومع هذا فإن إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله عرض له هذا القول، ولم يكن تجهماً من ابن خزيمة، ولا يجوز أن يسمى جهمياً، ولا أن يقال: إن حكمه حكم الجهمية، ولا أن يقال: إنه يذم بما ذم السلف به الجهمية
إلى أمثال ذلك، وإن كان قول ابن خزيمة ليس من أقوال أهل السنة، وإنما دخل عليه من أقوال أهل البدع، فإن أهل السنة قولهم في هذا معروف محفوظ ..
هذه جهة.