[بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن جعل شخصاً من الأشخاص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة -كما يوجد ذلك في الطوائف من أتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك- كان من أهل البدع والضلال والتفرق].
وهذا من فقه المصنف رحمه الله: أنه لا يجوز أن يبتلى المسلمون بالأعيان، حتى لو كان هذا المعين عالماً من علماء السنة؛ لأن المخاطب لم يكلف شرعاً أن يعرف هذا الرجل بعينه، وإنما كلف شرعاً أن يعرف من الأشخاص محمداً صلى الله عليه وسلم، فإذا ما استجاب لرسول الله وأقر بسنته والتزم هديه، فإنه لا يلزمه أن يعرف فلاناً أو فلاناً من أعيان العلماء، فضلاً عن أن يلتزم الثناء عليه ومدحه والتعظيم له، اللهم إلا إذا ذكر له إمام من أئمة السنة، فطعن عليه، مع أنه يعرف أنه من علماء السنة، فهذا لا يصدر إلا عن صاحب بدعة.
وأما الجهل فالجهل كثير، وقد كان كثير من عامة المغاربة لا يعرفون كثيراً من أئمة المشارقة، والعكس.
فابتلاء الناس بالأسماء المعينة من أهل العلم هذا ليس ابتلاءً فاضلاً، إنما يبتلى الناس بالحق، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود:7] فمن قال بالحق: الكتاب والسنة والاتباع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي صحابته؛ كان من أهل الحق.
وكذلك يكون الابتلاء لمن عُرف وعرَّف الله به في كتابه من أعيان أصحاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لذلك من طعن في الصحابة لابد أن يكون صاحب بدعة؛ لأن الله يقول: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100] أما أعيان العلماء من بعدهم فلا يلزم المسلمين العلم بهم.
وقد تقدم: أن هذه مسائل صار فيها كثير من الزيادة على المذهب السلفي، وظهر بعض المتعصبين من أتباع الأئمة الأربعة ولا سيما من بعض شيوخ المذهب رحمهم الله -أي: من الحنابلة- وإن كان الحنابلة هم أجل الطوائف في السلامة من البدع، وهم أسلم الطوائف من علم الكلام، لكن في بعض شيوخهم قدر من الزيادة، ولهذا وضعوا بعض السؤالات التي يعرف بها السني من البدعي، وزادوا بعض الزيادات التي قد تكون إن صحت مناسبة لزمن ما أو لوقت ما، ولكن الأصول الشرعية هي أصول الإسلام، والإيمان، الذي كان عليه الصحابة في مكة والمدينة النبوية.