أهل السنة لا يتبعون إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم

[فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة].

وهذه مسألة لابد أن تحقق عند الخاصة والعامة، وهي أنه لا يمكن أن تجتمع الأمة على رجلٍ واحد، مهما بلغ من العلم والإدراك والتقوى، فالأمة لا تصدر عن رجل واحد أبداً إلا أن يكون محمداً صلى الله عليه وسلم، أما من بعده فلا، حتى الخلفاء، فإن الخلفاء من سنتهم المراجعة، ولهذا لما قدم عمر رضي الله عنه الشام وأخبر أن الطاعون قد وقع فيها -كما في حديث ابن عباس - أمر أن ينادى بالمهاجرين، فاستشارهم فاختلفوا عليه، منهم من يقول: أقدم، ومنهم من يقول: ارجع، ثم استشار الأنصار، فاختلفوا كاختلاف المهاجرين، ثم أمر أن ينادى بمشيخة قريش من مهاجرة الفتح فاستشارهم فاتفقوا أن يرجع، فقال عمر: "إني مصبحٌ على ظهرٍ فأصبحوا عليه.

فقال أبو عبيدة -وكان ممن يرى الإقدام-: أفرار من قدر الله؟! فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم.

نفر من قدر الله إلى قدر الله .. ".

الشاهد من ذلك: أن عمر رضي الله عنه كان يسعه الاجتهاد في هذه المسألة، لكنه مع ذلك جمع؛ لأن الأمة في القضايا الكلية لا يجوز أن تصدر عن واحد، نقول: في القضايا الكلية، وهذا أمر يقصِّر فيه لا نقول العامة أو بعض طلبة العلم، بل -مع الأسف- يقصر فيه بعض الشيوخ، وذلك حين يضع له منزلة مطردة، فيستصدر الأمة في أمور كلية عامة.

الأمور الكلية لابد أن تكون مدروسة بين علماء الأمة، وأن تكون معنية بالتقرير والاستدلالات، وأما الصدور عن الواحد صدوراً كلياً في كل شؤون الأمة، في كل مصر من أمصار المسلمين ..

هذا لا يتحصل، وإن ما كان يتحصل فيما سلف من الأزمنة أن بغداد كان لها إمام معروف فيها يعتبر هو إمام بغداد ومفتيها ..

فهذا أمر جرى عليه عمل كثير من المسلمين في دولهم وأمصارهم، هذا -مثلاً- مفتي بلاد مصر، وهذا مفتي الشام، وهذا مفتي الحجاز، وهذا مفتي المملكة، وهذا مفتي كذا، هذه الإفتاءات المختصة في مسائل الفقة مما يسوغي تصدر شخص لها، وقد انتشر هذا منذ زمن بعيد في الأمة.

لكن الأمور الكلية العامة التي تمس جميع الأمة في شرقها وغربها، عربها وعجمها

إلخ هذه الأمور الكلية لا يصدر فيها عن رجل واحد، ولا ينبغي لرجل واحد أن يستصدر وأن يفتات على الأمة في تصرف يختص به، المنزلة الكلية التي تكون للأمة هي منزلة محمد صلى الله عليه وسلم، وأما من بعده فلابد أن يراجع غيره من أهل العلم، وأن يكون على قدر من التشاور والمراجعة والبحث

إلى غير ذلك.

وهذه كلمة فاضلة في كلام الشيخ رحمه الله لما قال: "وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة".

ولهذا لا ينبغي أن يعظم عالم من العلماء لا معاصر ولا سابق تعظيماً مطلقاً، ويلتف على جميع أقواله أو جميع ما يقرر، فإن هذا من التكلف، ومما لا يشرع أبداً، وهو من التقليد المذموم الذي ذمه السلف رحمهم الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015