وقد ظهرت ثلاث طوائف في زمن علي بن أبي طالب:
الطائفة الأولى: المؤلهة لـ علي، وقد أحرقهم رضي الله عنه بالنار، وهذا ثابت عنه، وإن كان ابن عباس تعقب علياً في الإحراق، وقال: (لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه) فهذه مسألة اجتهاد بين ابن عباس وعلي، وإن كان الأظهر فيها طريقة ابن عباس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يعذب بعذاب الله -أي: بالإحراق بالنار-، لكن لعل علياً لم يبلغه النهي، فاجتهد من باب قطع دابر الفتنة، وعلى كل حال هذا مقام من الاجتهاد.
الطائفة الثانية: السابة، وهم شيعة ينتسبون إلى علي يسبون أبا بكر وعمر، وقد تتبع علي بن أبي طالب هؤلاء السابة، حتى إنه لم يبق أحداً في دائرة جيشه وعسكره ممن يسب أبا بكر وعمر، وقد كان موقفه رضي الله عنه من السابة غليظاً.
الطائفة الثالثة: المفضلة الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر، فكان علي رضي الله عنه يقول: "لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري".
إذاً: الأسماء كلها شيعة، ولكن الحقائق مختلفة.
ونتيجة هذا: أن الاشتراك باسم طائفة أو اسم بدعة لا يستلزم اتفاق الأعيان في جميع الحقائق العلمية.
[وأصل قول أهل السنة الذي فارقوا به الخوارج والجهمية والمعتزلة والمرجئة: أن الإيمان يتفاضل ويتبعض؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) وحينئذ فتتفاضل ولاية الله وتتبعض بحسب ذلك].
يجعل شيخ الإسلام رحمه الله الولاية تبعاً للإيمان، فكما أن للإيمان أصلاً وكمالاً، كذلك الولاية لها أصل وكمال، وهي تزيد وتنقص.