وَعَزْوُ غَرِيبِ النَّقْلِ أَوْ فَتْحُ مُقْفِلٍ ... أَوْ إشْكَالٌ أَبْدَتْهُ نَتِيجَةُ فِكْرِهْ
فَدَعْ سَعْيَهُ وَانْظُرْ لِنَفْسِك وَاجْتَهِدْ ... وَإِيَّاكَ تَرْكًا فَهُوَ أَقْبَحُ خُلَّهْ
وَقَدْ أَجَابَهُ تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ الْأَبِيُّ بِقَوْلِهِ
يَمِينًا بِمِنْ أَوْلَاك أَرْفَعَ رُتْبَةٍ ... وَزَانَ بِك الدُّنْيَا بِأَكْمَلِ زِينَةِ
لِمَجْلِسِك الْأَعْلَى كَفِيلٌ بِكُلِّهَا ... عَلَى حِينِ مَا عَنْهَا الْمَجَالِسُ وَلَّتْ
فَأَبْقَاك مَنْ رَقَّاك لِلْخَلْقِ رَحْمَةً ... وَلِلدِّينِ سَيْفًا قَاطِعًا كُلَّ فِتْنَةِ
قَالَ الشَّيْخُ الْأَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنِّي لَبَارٌّ فِي قَسَمِي فَلَقَدْ كُنْت أُقَيِّدُ مِنْ زَوَائِدِ إلْقَائِهِ وَفَوَائِدِ إبْدَائِهِ عَلَى الدُّوَلِ الْخَمْسِ الَّتِي تُقْرَأُ بِمَجْلِسِهِ مِنْ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالثَّلَاثِ الَّتِي فِي التَّهْذِيبِ نَحْوُ الْوَرَقَتَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِمَّا لَيْسَ فِي الْكُتُبِ اهـ. وَكَانَ لَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دُرُوسٌ يُلْقِيهَا فِي الْمَدْرَسَةِ التَّوْفِيقِيَّةِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى الزَّوَالِ فِي فُنُونٍ مُخْتَلِفَةٍ يَبْتَدِئُهَا بِالتَّفْسِيرِ وَزَارَهُ فِيهَا الْإِمَامُ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ يُفَسِّرُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [الزخرف: 36] الْآيَةَ فَقَالَ لَهُ أَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَنْ هَا هُنَا مَوْصُولَةً فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ كَيْفَ وَقَدْ جَزَمَتْ فَقَالَ جَزَمَتْ تَشْبِيهًا لَهَا بِالشَّرْطِيَّةِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنَّمَا يُقْدَمُ عَلَى هَذَا بِنَصٍّ مِنْ إمَامٍ أَوْ شَاهِدٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فَقَالَ أَمَّا النَّصُّ فَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ كَذَا وَأَمَّا الشَّاهِدُ فَقَوْلُهُ
فَلَا تَحْفِرَن بِئْرًا تُرِيدُ إخَابَهَا ... فَإِنَّك فِيهَا أَنْتَ مِنْ دُونِهِ تَقَعْ
كَذَاك الَّذِي يَبْغِي عَلَى النَّاسِ ظَالِمًا ... تُصِبْهُ عَلَى رَغْمِ عَوَاقِبِ مَا صَنَعْ
فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَأَنْتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ نَعَمْ فَرَحَّبَ بِهِ وَفِي سَنَةِ 750 وَلِيَ إمَامَةَ جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ ثُمَّ وَلِيَ الْخَطَابَةَ بِهِ سَنَةَ 722 وَكَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ دَارِهِ يَتَيَمَّمُ الْجَامِعَ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ حَكَاهُ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَحَكَى الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ إنَّ خُطَبَاءَ تُونُسَ كَانُوا يَصِفُونَ الْمَهْدِيَّ فِي خُطَبِهِمْ بِالْإِمَامِ الْمَعْصُومِ فَلَمَّا وَلِيَ الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ الْخَطَابَةَ تَلَطَّفَ فَأَبْدَلَ الْمَعْصُومَ بِالْمَعْلُومِ. ثُمَّ فِي سَنَةِ 773 وَلِيَ الْفُتْيَا بِالْجَامِعِ وَكَانَ أَشْهَرَ رِجَالِهَا فِي عَصْرِهِ وَإِلَيْهِ الْمَفْزَعُ فِيهَا مِنْ تُونُسَ وَغَيْرِهَا. قَالَ تِلْمِيذُهُ أَبُو حَامِدٍ الْمَكِّيُّ تَأْتِي إلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ. وَفِي سَنَةِ 792 خَرَجَ حَاجًّا وَمَرَّ فِي طَرِيقِهِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَمِصْرَ وَأَخَذَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الرِّحْلَةِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَدْرُ الدَّمَامِينِيُّ قَالَ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْمُغْنِي كُنْت يَوْمًا بِمَجْلِسِ شَيْخِنَا ابْنِ عَرَفَةَ وَذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة فِي شَهْرِ