الثَّانِي التَّنْكِيتُ عَلَى الْفُقَهَاءِ فِي مُخَالَفَتِهِمْ لِعِلْمِ الْبَيَانِ قَالَ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحِ إذْ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ بَلْ لِأَنَّ دَلَالَةَ التَّعْرِيضِ أَقْوَى مِنْ الْكِنَايَةِ وَالْوَارِدُ عَنْ عُمَرَ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعْرِيضِ (فَإِنْ قُلْتَ) لَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْكَلَامَ وَسَلَّمَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي كَوْنِ مَا أَنَا بِزَانٍ أَنَّهُ تَعْرِيضٌ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ يَا رُومِيُّ لِلْعَرَبِيِّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَالْحُكْمُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فَحَقُّهُ أَنْ يُبَيِّنَ هُنَا اصْطِلَاحَ أَهْلِ الْبَيَانِ أَوْ بَعْضَ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَصْدُقَ اسْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مَحِلِّهِ (قُلْتُ) رَأَى ذَلِكَ ظَاهِرًا وَرَأَى كَلَامَهُمْ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَأَحْسَنُ مَا يَقْرُبُ بِهِ مَا هُنَا كَلَامُ ابْنِ الْأَثِيرِ قَالَ فِي الْمَثَلِ السَّائِرِ الْكِنَايَةُ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى جَانِبَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِوَصْفٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ فِي الْمُفْرَدِ وَالْمُرَكَّبِ وَالتَّعْرِيضِ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَى مَعْنًى لَا مِنْ جِهَةٍ لِلْوَضْعِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْمَجَازِيِّ بَلْ مِنْ جِهَةِ التَّلْوِيحِ وَالْإِشَارَةِ فَيَخْتَصُّ بِاللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ كَقَوْلِ مَنْ يَتَوَقَّعُ صَدَقَةً أَنَا مُحْتَاجٌ فَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالطَّلَبِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لَهُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَإِنَّمَا فُهِمَ مِنْهُ الْمَعْنَى مِنْ عَرْضِ اللَّفْظِ أَيْ جَانِبِهِ فَهَذَا كَلَامٌ إذَا تَأَمَّلْته مَعَ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَشَّافِ وَكَلَامِ السَّكَّاكِيِّ تَجِدُ فِيهِ بَعْضَ مُخَالَفَةٍ وَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَيَانِهِ وَفِيهِ أَبْحَاثٌ لَهُمْ فَإِذَا قَرَّرْنَا كَلَامَ ابْنِ الْأَثِيرِ وَفَهِمْنَاهُ عَلِمْنَا قَصْدَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّك إذَا قُلْت فُلَانٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ هَذَا كَلَامٌ قَابِلٌ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِأَجْلِ وَصْفٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّمَادِ وَهَذَا حَقِيقَةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ لَازِمَ ذَلِكَ وَهُوَ الْكَرَمُ النَّاشِئُ عَنْ كَثْرَةِ الطَّبْخِ وَهُوَ مَجَازٌ وَأَمَّا التَّعْرِيضُ فَهُوَ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى لَا مِنْ جِهَةِ احْتِمَالِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ بَلْ فُهِمَ ذَلِكَ وَقُصِدَ مِنْ جِهَةِ التَّلْوِيحِ وَالْإِشَارَةِ كَمَا إذَا قَالَ أَنَا مُحْتَاجٌ فَهَذَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى وَهُوَ طَلَبُ الْمُحْتَاجِ مِنْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ فُهِمَ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْفَهْمُ مِنْ عَرَضٍ أَيْ مِنْ نَاحِيَةِ اللَّفْظِ لِسِيَاقٍ دَلَّ عَلَى الْقَصْدِ وَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الطَّلَبِ لَا بِالْحَقِيقَةِ وَلَا بِالْمَجَازِ مِثْلُ الْكِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمِثَالِ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيُقَالُ ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَيَّرَ قَوْلَهُ مَا أَنَا بِزَانٍ تَعْرِيضًا وَقَالَ فِي مَا أَنْتَ بِحُرٍّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَكَذَا يَا فَارِسِيُّ لِعَرَبِيٍّ فَكَيْفَ يَجْرِي رَسْمُ ابْنِ الْأَثِيرِ عَلَى ذَلِكَ (قُلْتُ) هَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ.