الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ بِعِوَضٍ لَا يُسَمَّى بَيْعًا إلَى أَجَلٍ بَلْ يُسَمَّى سَلَمًا لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ لَمَا وَقَعَ فِيهِ فَسْخٌ لِلْعُقْدَةِ وَذَلِكَ مِنْ خَاصِّيَّةِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَلَوْ كَانَ بَيْعًا مُعَيَّنًا لَوَقَعَ الْفَسْخُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِنُصُوصِ الْمَذْهَبِ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ ظَاهِرٌ بِمَا قَرَّرْنَاهُ هَذَا لَفْظُ كَلَامِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَوْقِعُهُ لَا يُقَالُ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ادَّعَى دَعْوَى مُرَكَّبَةً وَهِيَ أَنَّ الْعِوَضَ فِي الذِّمَّةِ سَلَمٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِأَجَلٍ وَاسْتِدْلَالُهُ إنَّمَا أَنْتَجَ أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بِدَلِيلِ عَدَمِ فَسْخِهِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ وَذَلِكَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ وَبَيْنَ السَّلَمِ فَأَيُّ دَلِيلٍ يُعَيِّنُ الْعُقْدَةَ الْمَذْكُورَةَ أَنَّهَا سَلَمٌ لَا بَيْعَةُ أَجَلٍ لِأَنَّا نَقُولُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفَتَحَ عَلَى لُبِّنَا مِنْ بَرَكَتِهِ بِمَنِّهِ إذَا تَأَمَّلْتَ حَدَّهُ لِلْبَيْعِ وَبَيَانَ قَصْدِهِ وَظَهَرَ لَك فَرْقَهُ عَلِمْتَ. اسْتِدْلَالَهُ عَلَى قَصْدِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ وَمَا لَخَصَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيْعِ الْأَخَصِّ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَلَامُهُ عَلَى كُلِّ قِسْمٍ مَعَ مُقَابِلِهِ وَغَيْرِ مُقَابِلِهِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّرْتِيبِ الْعَجِيبِ وَالتَّحْصِيلِ الْقَرِيبِ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ جَلِيٌّ لِأَنَّ الْأَقْسَامَ الْمَذْكُورَةَ عَشْرَةٌ وَيَتَرَكَّبُ مِنْ كُلٍّ بِالنَّظَرِ مَعَ غَيْرِهِ نَحْوَ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ صُورَةً خَمْسَةٌ مِنْهَا مُتَبَايِنَةٌ وَالْبَاقِي فِيهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ مِثْلَ بَيْعِ الْمُؤَجَّلِ وَبَيْعِ الْحَاضِرِ فَإِذَا بَاعَ سِلْعَةً حَاضِرَةً بِدِينَارٍ إلَى شَهْرٍ فَيَصْدُقُ فِيهَا الْبَيْعَانِ وَإِذَا بَاعَ عَبْدًا غَائِبًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ صَدَقَ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَإِذَا بَاعَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ نَقْدًا صَدَقَ الثَّانِي وَحْدَهُ وَبَاقِيهَا جَلِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ مَعْرِفَةَ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ مَعْلُومَةٌ حَتَّى لِلصِّبْيَانِ قَالَ الشَّيْخُ الْمَعْلُومُ ضَرُورَةُ وُجُودِهِ عِنْدَ وُقُوعِهِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عِلْمُ حَقِيقَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَنْظِيرُهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ دَفْعُ عِوَضٍ فِي مُعَوَّضٍ قَالَ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفَاسِدُ قَالَ وَخَصَّصَ بَعْضُهُمْ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ بِصَحِيحِهَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَمَعْرِفَتُهُ تَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَةَ الْفَاسِدِ أَوْ أَكْثَرِهِ فَقَالَ نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ بَلْ شُبْهَةَ الْمِلْكِ قَالَ وَذِكْرُ لَفْظِ الْعِوَضِ فِيهِ خَلَلٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْبَيْعِ أَوْ مَا هُوَ مَلْزُومٌ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّعْرِيفُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِ لِلَّخْمِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ الْبَيْعُ التَّعَاقُدُ وَالثَّانِي لِلْمَازِرِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ قَالَ وَقَصْر ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ التَّعَقُّبَ عَلَيْهِمَا بِمَا ذُكِرَ يُرَدُّ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ فَكَيْفَ يَقْصُرُ الِاعْتِرَاضَ بِمَا ذَكَرَهُ وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الشَّيْخِ قَالَ وَالثَّانِي لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ