هَذَا الرَّسْمُ أَوْ الضَّابِطُ يَظْهَرُ بَسْطُهُ بَعْدَ بَسْطِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَبْلَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْقَرَابَةُ هِيَ التِّسْعُ فِي قَوْلِهِ حُرِّمَتْ وَهِيَ أُصُولُهُ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَفْهُومٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ الشَّخْصُ أَوْ الْمَوْلُودُ وَيَعْنِي بِالْأَصْلِ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَصْلٌ لِلْمَوْلُودِ وَفُصُولُهُ يَعْنِي الْأَوْلَادَ وَإِنْ وَقَعَ انْسِفَالٌ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ يَعْنِي الْأُخُوَّةَ مِنْ أَيْ جِهَةٍ وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ يَعْنِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَأَمَّا أَوْلَادُهُنَّ فَيَجُوزُ تَزْوِيجُهُنَّ لِقَوْلِهِ أَوَّلُ فَصْلٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ جَمْعٌ لِمَا فِي الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ {أُمَّهَاتِكُمْ} [الأحزاب: 4] الْآيَةَ " فَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ وَكَذَلِكَ الْجَدَّاتُ مِنْ أَيْ جِهَةٍ وَالْبَنَاتُ فِي قَوْلِهِ وَفُصُولُهُ كَذَلِكَ وَالْأَخَوَاتُ فِي قَوْلِهِ وَفُصُولُ أَوَّلِ الْأُصُولِ وَقَوْلُهُ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ فِي قَوْلِهِ وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ فَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ بَدِيعٌ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِمَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى قُوَّةِ الِاخْتِصَارِ وَتَحَفُّظًا مِنْ الِانْتِشَارِ مَعَ الْجَمْعِ الْبَدِيعِ وَالرَّسْمِ الْمَنِيعِ عَدَلَ إلَى قَوْلِهِ فَرْعُهُ إلَخْ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْفَرْعُ هُوَ الْفَصْلُ وَحَسُنَ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْخِ لِأَنَّ الْأَصْلَ يُقَابِلُهُ الْفَرْعُ وَلَمْ يَجْمَعْ كَمَا جَمَعَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ وَالْمُرَادُ بِالْفَرْعِ مَا يَتَفَرَّعُ عَنْ الشَّخْصِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ مُطْلَقًا وَأَصْلُهُ الْأَبُ وَالْأُمُّ فَمَا عَلَا (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَدَّمَ الْأَصْلَ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى الْفَرْعِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ.
(قُلْتُ) لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ فِي قَوْلِهِ وَأَقْرَبُ فَرْعِهِ أَيْ فَرْعِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْأَخَوَاتُ مِنْ أَيْ جِهَةٍ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُنَّ أَقْرَبُ فَرْعِ الْأَصْلِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ لِأَنَّهُنَّ يَصْدُقُ فِيهِنَّ أَنَّهُنَّ أَقْرَبُ فَرْعِ الْأَصْلِ قَوْلُهُ " وَأَبْعَدُ " أَيْ أَبْعَدُ أَقْرَبِ فَرْعِ الْأَصْلِ وَزَادَ ذَلِكَ لِيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ بَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَإِنْ سَفَلْنَ وَالضَّمِيرُ فِي أَقْرَبِهِ الْمُضَافُ إلَيْهِ يَعُودُ عَلَى فَرْعِهِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي ضَمِيرُهُ يَعُودُ عَلَى الْأَصْلِ فَصَحَّ تَفْسِيرُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَظَهَرَ سِرُّ اخْتِصَارِهِ لِأَلْفَاظِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّ كَلَامَهُ أَوْجَزُ وَأَخْصَرُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَبْسَطُ وَأَظْهَرُ وَحَذَفَ مِنْهُ مِنْ أَحْرُفِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِهِ فَلِلَّهِ دَرُّهُ مِنْ إمَامٍ أَحْيَا اللَّهُ بِهِ قَوَاعِدَ رُسُومِ الْإِسْلَامِ وَالْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي حَقَّقَهَا سَيِّدُ الْأَنَامِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.