بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فيقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: [الأَصْلُ الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ، وَلَهُ مِنَ الِعُمُرِ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، مِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وثلاث وعشرون نبيًّا رسولاً، نُبِّئَ بـ (اقْرَأ) ، وَأُرْسِلَ بـ (الْمُدَّثِّرْ) ، وَبَلَدُهُ مكة، وهاجر إلى المدينة، بعثه الله بالنذارة عن الشرك، ويدعو إِلَى التَّوْحِيدِ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:1-7] .
وَمَعْنَى (قُمْ فَأَنْذِرْ) : يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ، {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ، {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} الرُّجْزَ: الأَصْنَامُ، وَهَجْرُهَا تَرْكُهَا وأهلها وَالْبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلُهَا.
أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، وَبَعْدَ الْعَشْرِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَواتُ الْخَمْسُ، وَصَلَّى فِي مَكَّةَ ثَلاثَ سِنِينَ، وَبَعْدَهَا أُمِرَ بالهجرة إلى المدينة] .
هذا هو الأصل الثالث من الأصول التي يحصل للعبد بها النجاة في الدنيا والآخرة، وهو معرفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة لا يتم الإيمان إلا بها؛ لأن من أركان الإيمان الإيمان بالرسل، ولأنه لا تثبت القدم على الإسلام إلاّ بالشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، فمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم أصل من أصول الإيمان، وهي بوابة الدخول إلى الإسلام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّي رَسُولُ اللَّهِ) ، ولا تحصل الشهادة له بالرسالة إلاّ بعد العلم به والمعرفة له صلى الله عليه وسلم، فهذا أصل أصيل لحصول الإيمان والإسلام، ولا يحصل لعبدٍ النجاة في الدنيا والآخرة إلا به؛ فإن أول منازل الآخرة القبر، وأول ما يسأل عنه المقبوض عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه، فإن وفق للجواب وفق للخيرات، وإن حيل بينه وبين الجواب لكفره أو نفاقه فإنه قد أُغلق عليه باب الفلاح في الدار الآخرة.