وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى إذا أذت الهرة وقصد قتلها فلا تعذب ولا تخنق بل تذبح بموسي حادة لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله كتب الإحسان على كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة» ومن هذا الباب مسألة السفن وما يطرح منها خوف الغرق على المال أو النفس فإنه إتلاف لصون النفس والمال.
مسألة: الحيوان الذي لا يؤكل إذا وصل في المرض لحد لا يرجى هل يذبح تسهيلاً عليه وإراحة له من ألم الوجع؟ الذي رأيته المنع إلاّ أن يكون مِمّا يذكى لأخذ جلده كالسباع. وأجمع الناس على منع ذلك في حق الآدمي، وإن اشتد ألمه واحتمل أن يكون ذلك لشرفه عن الإهانة بالذبح فلا يتعدى ذلك إلى غيره.
التأديب والزجر إما مقدر كالحدود أو غير مقدر كالتعزير وهو مع الإثم في المكلفين أو بدونه في الصبيان والمجانين والدواب.
فهذه أبواب مختلفة الحقائق والأحكام، فينبغي للفقيه الإحاطة بها لتنشأ له الفروق ولمدارك في الفروع.
يلحق بالتأديب تأديب الآباء والأمهات للبنين والبنات والسادات للعبيد والإماء بحسب جناياتهم واستصلاحهم على القوانين الشرعية من غير إفراط وكذلك تأديب الأزواج للزوجات على نحو ذلكن وكذلك تأديب الدواب بالرياضات، ومهما حصل ذلك بالأخف من القول لا يجوز العدول إلى ما هو أشد منه لحصول المقصود بذلك فالزيادة مفسدة بغير مصلحة فتحرم حتى قال إمام الحرمين إذا كانت العقوبة المناسبة لتلك الجناية لا تأثر في استصلاحه على تلك المفسدة فلا يحل أن يزجر أصلاً أما بالمرتبة فلعدم الفائدة وأما ما هو أعلى منها فلعدم المبيح له فيحرم الجميع حتى يتأتى استصلاحه بما يجوز أن يترتب على تلك الجناية.
فهذه فوائد جليلة وقواعد جميلة نفع الله بها واضعها وكاتبها وسامعها وختم لنا بخير أجمعين في القول والعلم بمنِّه وكرمِه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وهذا آخر شرح الكتاب المسمى بتنقيح الفصول في اختصار المحصول، نفع الله به المسلمين إنه على كلّ شيء قدير.