يمكن فيها سر وما يحافظ عليه فإن كان كذلك فقد تدل العادة على رده لمرسله بعد الوقوف عليه، وقد تدل على تحفظ الثاني به من غير رد، وقد تدل العادة على تمليك الثاني لتلك الرقعة كالتوقيع التي يكتبها
الخلفاء والملوك لتشريف المكتوب غليه فإنَّها تبقى عند الأعقاب تذكيراً بذلك الشرف وعظم المنزلة، فكل ما دلت عليه العادة من ذلك اتبع وكان كالمنطوق، والمنائج الشاة تعطى لمن يأكل لبها مع بقائها على ملك ربها والأفقار الإذن في ركوب البعير والإسكان الإذن في سكنى الدار والعمرى إسكانه عمره والعرية هبة ثمرة النخل.
الإتلاف إما للإصلاح في الأجساد والأرواح كالأطعمة والأدوية والذبائح وقطع الأعضاء المتآكلة أو المدفع كقتل الصوال والمؤذى من الحيوان، أو لتعظيم الله كقتل الكفار لمحو الكفر من قلوبهم وإفساد الصلبان، أو لتعظيم الكلمة كقتال البغاة أو المزجر كرجم الزنا وقتل الجناة.
البغاة هم الذين يقاتلون بالتأويل من أهل الإسلام، سموا بغاة إما لبغيهم أو لأنهم يبغون الحق على زعمهم، وكان قتالهم للكلمة عنهم فرقوها بخروجهم عن الطاعة ومن ذلك أعني القتال للإتلاف قتال الظلمة لدفع ظلمهم وحسم مادة فسادهم وتخريب ديارهم وقطع أشجارهم وقتل دوابهم إذ لم يمكن دفعهم إلا بذلك ومن ذلك قتل من كان دأبه أذية المسلمين طبعاً له وذلك متكرر منه لا لعذر وعظم ضرره وفساده في الأرض ولم يمكن دفعه إلاّ بقتله قتل بأيسر الطرق المزهقة لروحه وكذلك من طلق امرأته ثلاثاً وكان يهجم على الزنا بها فإن لها مدافعته بكل طريق ولو لم تقدر إلاّ بقتله قتلته بأيسر الطرق في ذلك وكذلك إتلاف ما يعصى الله تعالى به من الأوثان والملاهي.
فائدة: سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله عن قتل الهر المؤذي هل يجوز أم لا فكتب رحمه الله عليه وأنا حاضر إذا خرجت أذيته عن عادة القطط وتكرر ذلك منه قتل؛ فاحترز بالقيد الأوّل عما هو في طبع الهر من ألك اللحم إذا ترك سائباً أو عليه شيء يمكن رفعه للهر فإذا رفعه وأكله لا يقتل ولو تكرر ذلك منه لأنه طبع، واحترز بالقيد الثاني من أن يكون ذلك منه على وجه القلة فإن ذلك لا يوجب قتله إنّما يكون في المأيوس من صلاحه واستصلاحه من الآدميين والبهائم.