المصلحة المرسلة والمصالح بالإضافة إلى شهادة الشرع لها بالاعتبار عن ثلاثة أقسام: ما شهد الشرع باعتباره وهو القياس الذي تقدمن وما شهد الشرع بعدم اعتباره نحو المنع من زراعة العنب لئلا يعصر خمراً، وما لم يشهد له باعتبار ولا بإلغاء وهو المصلحة المرسلة وهي عند مالك رحمه الله حجة.
وقال الغزالي إن وقعت في محل الحاجة أو التتمة فلا تعتبر، وإن وقعت في محل
الضرورة فيجوز أن يؤدي إليها اجتهاد مجتهد، ومثاله تترس الكفار بجماعة المسلمين فلو كففنا عنهم لصدمونا واستولوا على دار الإسلام وقتلوا كافة المسلمين، ولو رميناهم لقتلنا الترس معهم، قال فيشترط في هذه المصلحة أن تكون كلية قطعية ضرورية، فالكلية احتراز عما إذا تترسوا في قلعة بمسلمين فلا يحل رمي المسلمين إذ لا يلزم من ترك تلك القلعة فساد عام، والقطعية احتراز عما إذا لم نقطع باستيلاء الكفارة علينا إذا لم نقصد الترس وعن المضطر يأكل قطعة من فخذه، والضرورية احتراز عن المناسب الكائن في محال الحاجة والتتمة لنا أن الله تعالى إنّما بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام لتحصيل مصالح العباد عملاً بالاستقراء فمهما وجدنا مصلحة غلب على الظن أنها مطلوبة للشرع.
قد تقدم أن المصلحة المرسلة في جميع المذاهب عند التحقيق لأنهم يقيسون ويفرقون بالمناسبات ولا يطلبون شاهداً بالاعتبار ولا نعني بالمصلحة المرسلة إلاّ ذلك ومما يؤكد العمل بالمصلحة المرسلة أن الصحابة رضوان الله عليهم عملوا أموراً لمطلق المصلحة لا لتقدم شاهد بالاعتبار نحو كتابة المصحف ولم يتقدم فيه أمر ولا نظير، وولاية العهد من أبي بكر لعمر رضي الله عنهما ولم يتقدم فيها أمر ولا نظير، وكذلك ترك الخلافة شورى وتدوين الدواوين وعمل السكة للمسلمين واتخاذ السجن فعل ذلك عمر - رضي الله عنه - وهدّ الأوقاف التي بإزاء مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتوسعة بها في المسجد عند ضيقه فعله عثمان - رضي الله عنه - ثم نقله هشام إلى المسجد، وذلك كثير جداً لمطلق المصلحة وإمام الحرمين قد عمل في كتابه المسمى