والجواب: أن المفسدة تندفع بتقدم نصوص في مثل هذه الصور ويقال له إذا وقع كذا فافعل كذا ولا اجتهاد حينئذ، ويظهر من تعارض هذه المدارك حجة التوقف.
وهو أن يكون عالماً بمعاني الألفاظ وعوارضها من التخصيص والنسخ وأصول الفقه، ومن كتاب الله تعالى ما يتضمن الأحكام وهي خمسمائة آية، ولا يشترك الحفظ بل العلم بمواضعها لينظرها عند الحاجة إليها، ومن السنة بمواضع أحاديث الأحكام دون حفظها، ومواضع الإجماع والاختلاف والبراءة الأصلية وشرائط الحد والبرهان، والنحو واللغة والتصريف وأحوال الرواة، ويقلد من تقدم في ذلك، ولا يشترط عموم النظر، بل يجوز أن يحصل صفة الاجتهاد في فن دون فن وفي مسألة دون مسألة خلافاً لبعضهم.
الحصر في خمسمائة آية قاله الإمام فخر الدين وغيره ولم يحصر غيرهم ذلك وهو الصحيح فإن استنباط الأحكام إذا حقق لا يكاد تعرى عنه آية فإن القصص أبعد الأشياء عن ذلك والمقصود منها الاتعاظ والأمر به وكل آية وقع فيها ذكر عذاب أو ذم على فعل كان ذلك دليل تحريم ذلك الفعل، أو مدحاً أو ثواباً على فعل فذلك دليل طلب ذلك الفعل وجوباً أو ندباً، وكذلك ذكر صفات الله عز وجل والثناء عليه المقصود به الأمر بتعظيم ما عظمه الله تعالى وأن نثني عليه بذلك، فلا تكاد تجد آية إلا وفيها حكم وحصرها في خمسمائة آية بعيد، وشرائطه الحد حتى يتحقق له الضوابط فيعلم اخرج عنها فلا يعتبره وما اندرج فيها أجرى عليه أحكام تلك الحقيقة، وشرائطه البرهان مقررة في علم المنطق وأما النحو والتصريف واللغة فلأن الحكم يتبع الإعراب كما قال عليه الصلاة والسلام: «ما تركنا صدقة» بالرفع فرواه الرافضة بالنصب أي لا يورث ما تركناه وقفاً وصار مفهومه أنهم يورثون في غيره وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر»