وافقوا على جواز الاجتهاد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وأما في زمانه فوقوعه منه عليه الصلاة والسلام قال به الشافعي وأبو يوسف، وقال أبو علي وأبو هاشم لم يكن متعبداً به لقوله تعالى: {إن هو إلا وحي يوحى} وقال بعضهم كان له - عليه السلام - أن يجتهد في الحروب والآراء دون الأحكام قال الإمام: وتوقف أكثر المحققين في الكل وأما وقوع الاجتهاد في زمانه عليه الصلاة والسلام من غيره فقليل وهو جائز عقلاً في الحاضر عنده عليه الصلاة والسلام والغائب عنه، فقد قال له معاذ بن جبل أجتهد رأيي.
حجة كونه عليه الصلاة والسلام كان يجتهد: ما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما قال في تحريم مكة: «لا يعضد شجرها ولا يختلى خلالها: فقال له العباس إلا الأذخر» وهذا يدل على أنه لما بين له الحاجة إلهي أباحه بالاجتهاد للمصلحة، وكذلك لما أنشدته المرأة لما قتل أخاها.
أمحمد والنجل نجل كريمة ... في قومها والفحل فحلٌ معرق
ما كان ضَرك لو عفوت وربما ... مَنَّ الفتى وهو المغيظ المخَق
فقال عليه الصلاة والسلام لو سمعت شعرها قبل قتله ما قتلته، وهذا يدل على الاجتهاد. وحكم سعد في بني قريظة فحكم بأن يُقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، وما جعل لغيره أن يفعله فله هو عليه الصلاة والسلام أن يفعله لأن الأصل مساواة أمته له في الأحكام غلا ما دل الدليل على تخصيصه من ذلك، ويرد على الكل أن هذه الصورة يجوز أن يقارنها نصوص نزلت فيها أو تقدمتها نصوص؛ بأن يُوحى إذا كان كذا فافعل كذا وحينئذ هي بالوحي لا بالاجتهاد.
حجة القول بالفرق بين الحروب فيجوز أن الحروب أمرها على الفور لعظم المفسدة في التأخير من جهة استيلاء العدو فيفوض إليه، وقصة معاذ تدل عليه والأحكام يجوز التراخي فيها فلا يجتهد فيها.