المرأة صار جزءاً للرضيع، لأن لبنها جزؤها صار لحماً للجنين، فأشبه منها الذي صار جزءاً للجنين، فكما أن ولد الصلب حرام فكذلك ولد الرضاع، وهو سر قوله عليه الصلاة والسلام: «الرضاع لحمه كلحمة النسب» إشارة إلى الجزئية، فإذا كانت هذه هي الحكمة، فلو أكل الجنين قطعة من لحم امرأة فقد صار جزؤها جزأه، فكان يلزم التحريم ولم يقل به أحد، وكذلك إذا كانت الحكمة في وصف الزنا اختلاط الأنساب، فإذا أخذ رجل صبياناً صغاراً وفرقهم إلى حيث لم يرهم آباؤهم حتى صاروا رجالاً ولم يعرفهم آباؤهم، فاختلطت أنسابهم حينئذ، فينبغي أن يجب عليه حد الزنا لوجود حكمة وصف الزنا، لكنه خلاف الإجماع، فعملنا أنه لو جاز التعليل بالحكمة للزم
النقض وهو خلاف الأصل، فلا يجوز التعليل بالحكمة وهو المطلوب.
والثالث: يجوز التعليل بالعدم خلافاً لبعض الفقهاء، فإن عدم العلة علة لعدم المعلول.
حجة المنع: أن العدم نفي محض لا تمييز فيه، وما لا تمييز فيه لا يمكن جعله علة، فإن العلة فرع التمييز، ولأن العلة وصف وجودي لأنها نقيض أن لا علية المحمولة على العدم وأن لا علية عدم، فتكون العلة وجودية، والوصف الوجودي لا يقوم بالعدم ولا المعدوم، وإلا لزمنا الشك في وجود الأجسام، لأنا لا نرى من العالم إلا أعراضه، فإذا جوزنا قيام الصفات الوجودية بالمعدوم، جوزنا أن تكون هذه الألوان قائمة بالمعدوم فلا نجزم بوجود شيء من أجزاء العالم وهو خلاف الضرورة.
والجواب عن الأول: أن العدم الذي يقع التعليل به لا بد أن يكون عدم شيء بعينه فهو عدم متميز فيصح التعليل به، كما تقول عدم علة التحريم علة الإباحة في جميع موارد الشريعة، لأن الإسكار علة التحريم والتنجيس، فإذا عدم ثبت التطهير والإباحة وعن الثاني: أن قولنا لا علية، حرف سلب دخل على اسم سلب، لأن العلية عندنا نسبة وإضافة، والنسب والإضافات عدمية عندنا، والسلب إذا دخل على السلب صار ثبوتاً فلا عليه ثبوت لا سلب، فلا يتم مقصودكم فتكون العلية عدمية، فأن نقيضها ثبوت.
الرابع: المانعون من التعليل بالعدم امتنعوا من التعليل بالإضافات لأنها عدم.