وثالثها: أن يكتب إلى غيره سماعه، فللمكتوب إليه أن يعمل بكتابه إذا تحققه أو ظنه، ولا يقول سمعت ولا حدثني، ويقول أخبرني.
قد تقدم أن الاعتماد على الخط والكتاب جوزه في الرواية كثير ممن منعه في الشهادة، وتقدم الفرق بينهما، وتوجيه الخلاف في ذلك، وكون المكتوب إليه يقول أخبرني معناه أعلمني، والإعلام والإخبار يصدق لغة بالرسائل، وفي التحقيق هو مجاز لغوي حقيقة اصطلاحية، فإن الإخبار لغة إنّما هو في اللفظ، وتسمية الكتابة إخباراً وخبراً لأنها تدل على ما يدل عليه الإخبار، والحروف الكتابية (?) موضوعة للدلالة على الحروف اللسانية فلذلك سميت خبراً وإخباراً من باب تسمية الدليل باسم المدلول.
ورابعها: أن يقال له هل سمعت هذا؟ فيشير برأسه أو بأصبعه فيجب العمل به، ولا يقول المشار إليه أخبرني ولا حدثني ولا سمعته.
هذا الإشارة قائمة في اللغة والعرف مقام قوله نعم، فيغلب على الظن أنه معتقد صحة ما قيل له، والعمل بالظن واجب في هذا الباب، ولا تسمى هذه الإشارة خبراً ولا إخباراً ولا حديثاً، ولا هي شيء يسمع، فلا يقول سمعته، ويحتاج في هذا المقام إلى الفرق بينها وبين الكتابة، فإن كليهما فعل، وكلاهما لا يصدق عليه الإخبار حقيقة لغوية، فيقع الفرق من وجهين أحدهما: أن الكتابة أمسّ بالإخبار في كثرة الاستعمال، فلما اطرد ذلك صار كأنه موضوع للإخبار، والإشارة أقل في الكتابة في ذلك، وتداول المكاتبات بين الناس أكثر من تداول الإشارات، ولذلك امتلأت الخزائن من الكتب والدول من الدواوين كلها بطريق الكتابة. وثانيها في القرق: أن الكتابة فيها وضع اصطلاحي بخلاف الإشارة.
وخامسها: أن يقرأ عليه فلا ينكره بإشارة ولا عبارة، ولا يعترف، فإن