فإذا لم يتواتر شيء من ذلك ولم ينقله إلاّ واحد دل على كذب الخبر إن كان قد حضره جمع عظيم، ولم يقم غيره مقامه في حصول المقصود منه، فالقيد الأوّل احتراز من انشقاق القمر، فإنه كان ليلاً ولم يحضره عدد التواتر. والقيد الثاني احتراز عن بقية معجزات الرسول عليه الصلاة والسلام كنبع الماء من بين أصابعه وإشباع العدد العظيم من الطعام القليل، فإنه حضره الجمع العظيم، غير أن الأمة اكتفت بنقل القرآن وإعجازه عن غيره من المعجزات، فنقلت آحاداً من أن شأنها أن تكون متواترة. وأما الأحاديث فلها حالتان: أول الإسلام قبل أن تدون وتضبط فهذه الحالة إذا طلب حديث ولم يوجد ثم وجد لا يدل على كذبه، فإن السنة كانت مفرقة في الأرض في صدور الحفظة. الحالة الثانية: بعد الضبط التام وتحصيلها إذا طلب حديث فلم يوجد في شيء من دواوين الحديث ولا عند رواته دل ذلك على عدم صحته، غير أنه يشترط استيعاب الاستقراء بحيث لا يبقى ديوان ولا راوٍ إلى وكشف أمره في جميع أقطار الأرض وهو عسر متعذر. وأما الكشف في البعض فلا يحصل القطع بكذبه لاحتمال أن يكون في البعض الآخر.
وقد ذكروا أبو حازم حديثاً في مجلس هارون الرشيد وحضره ابن شهاب الزهري فقال ابن شهاب: لا أعرف هذا الحديث فقال له أبو حازم أكل سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرفتها؟! فقال لا، فقال أثلثيها؟ فقال لا، قال أنصفها؟ فسكت فقال له اجعل هذا من النصف الذي لم تعرفه، هذا هو ابن شهاب الزهري شيخ مالك، فما ظنك بغيره؟!.
وهو خبر العدل الواحد أو العدول المقيد للظن وهو عند مالك رحمة الله عليه وعند أصحابه حجة واتفقوا على جواز العمل به في الدنيويات والفتوى