واختراعه، فهم نوعوا الكذب إلى اختراع وجنون، لا أنهم قسموا كلامه إلى كذب وغيره، فيرجع الخلاف في ذلك إلى أن العرب هل وضعت لفظ الكذب لغير المطابق كيف كان، أو لعدم المطابقة مع القصد لذلك وهو معنى قولي؟ والخلاف لفظي.
واختلفوا في اشتراط الإرادة في حقيقة كونه خبراً، فعند أبي علي وأبي هاشم الخبرية معلنة بتلك الإرادة، وأنكره الإمام لخفائها، فكان يلزم أن لا يعلم خبر البتة، ولاستحالة قيام الخبرية بمجموع الحروف لعدمه، ولا ببعضه وإلا لكان خبراً، وليس فليس.
الخلاف في هذه المسألة مثل مسالة الأمر، قالوا الخبر قد يكون دعاء نحو غير الله لنا، وتهديداً نحو قوله تعالى: «سنفرغ لكم أيها الثقلان» (?) وأمراً نحو قوله تعالى: «والوالدات يرضعن أولادهن حولين» (?) وإذا اختلف موارد استعماله لا يتعين للخبر إلاّ بالإرادة، كما قالوا لا تتعين صيغة الأمر للطلب إلاّ بالإرادة.
والجواب: واحد، وهو أن الصيغة حقيقة في الخبر، فينصرف لمدلولها بالوضع لا بالإرادة، وإذا فرعنا على هذه الإرادة فهي علة عند أبي هاشم للخبرية وهي كون اللفظ خبراً، وفهم عنهم الإمام أن الخبرية أمر وجودي، فقال تلك الخبرية الموجودة لا يمكن أن يكون محلها مجموع الحروف؛ لأن مجموع الحروف لا يوجد، بل يستحيل أن يوجد من الحروف دائماً إلاّ حرف واحد؛ لأن الكلام من المصادر السيالة، والمعدوم لا يكون محلاً
للوجود، ولا يمكن أن يكون محلها بعض الحروف؛ لأن المحل يجب اتصافه بما قام به، فإذا قام السواد بمحل يجب أن يكون أسود، والعلم يجب أن يكون عالماً، كذلك إذا قامت الخبرية ببعض الحروف يجب أن يكون خبراً، لكن بعض الحروف لا يكون خبراً إجماعاً.