والنسبة بين الشيئين لا تعرف إلاّ بعد معرفتهما، فتعريف الخبر بهما تعريف الشيء بما لا يعرف إلاّ بعد معرفته فهذا دور أيضاً.
جوابه: إنه تقدم في أول الكتاب أن التحديد بمثل هذا يجوز، وإن الحد هو شرح اللفظ وبيان مسماه دون تخليص الحقائق بعضها من بعض، وبسطته هنالك فليطالع ثمّة.
وقال الجاحظ (?) : يجوز عروِّه عن الصدق والكذب، والخلاف لفظي.
قال أهل السنة: لا واسطة بين الصدق والكذب، لأنه لا واسطة بين المطابقة وعدمها.
وقالت المعتزلة: لفظ الكذب ليس موضوعاً لعدم المطابقة كيف كانت، بل لعدم المطابقة مع القصد لذلك، وبهذه الطريقة ثبتت الواسطة، فإنه قد لا يكون مطابقاً ولا يقصد ذلك ولا يعلم؛ فلا يكون صدقاً لعدم المطابقة ولا كذباً لعدم القصد لعدم المطابقة.
حجتنا قوله - عليه السلام -، من كذب علي متعمداً ليتبوأ مقعده من النار، فلما قيده بالمعمد دل على تصوره بدون العمد، كما قال تعالى: «ومن قتله منكم متعمداً» (?) وقال - عليه السلام -: «كفى بالرجل كذباً أن يحدث بكل ما سمع» فجعله كاذباً إذا حدث بكل ما سمع، وإن كان لا يعلم عدم مطابقته، فدل على أن القصد لعدم المطابقة ليس شرطاً في تحقق مسمى الكذب.
حجة المعتزلة قوله تعالى حكاية عن الكفار: «افترى على الله كذباً أم به جنة» (?) . فجعلوا الجنون قسيم الكذب لعدم القصد فيه، مع أن خبره على التقديرين غير مطابق فدل على اشتراط القصد في حقيقة الكذب.
وجوابهم: أنهم لم يقولوا كذب، بل افترى، والافتراء هو ابتداء الكذب