عن النبهة، وقال أيضاً عن الخصم: إنه جوزه من غير دلالة ولا أمارة، ومتى انتفت الأمارة انتفت الشبهة قطعاً فصار لفظ المحصول يتدافع. واختلف المختصرون له: فمنهم من فسره بالشبهة وهو سراج الدين، ومنهم من أعرض عنه بالكلية، ثم بعد وضع كتاب الفصول طالعت كتباً كثيرة فوجدت هذه اللفظة فيها مضبوطة، ويقولون: منهم من جوز الإجماع بالتبخيت بالتاء المنقوطة باثنتين من فوقها فدل على أن قوله بالتبخيت ليس بالثاء المثلثة من المباخثة بل من البخت، فتحصل من ذلك أن
من الناس من جوز الإجماع بالقسم والبخت أي يفتون بغير مستند أصلاً، وأي شيء أفتوا به كان حقاً، وأن الله تعالى جعل لهم ذلك، وأنهم منطقون بالصواب، ولا يجري الله تعالى على لسانهم إلاّ ذلك وهو أمر جائز عقلاً، غير أنه لا بد له من دليل سمعي، فقائلوه يقولون: ذلك الدليل هو قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تجتمع أمتي على خطأ» ونحوه، فمتى أجمعوا كان حقاً ولا نظر إلى المستبد، والفريق الآخر يقول: فتياهم بغير مستند اتباع للهوى واتباع الهوى خطأ فهذا تحرير هذه المسألة.
حجة من قال لا بد من الدلالة، وهي الدليل القاطع؛ لأن الظنون تتفاوت فلا يحصل فيها اتفاق، والدليل القاطع قاهر لا مجال للاختلاف فيه فيتصور بسببه الإجماع.
وجوابه: أن الغيم الرطب تستوي الأمة في الظن الناشئ منه ممن هو عارف بأحوال السحب. كذلك كلّ أمارة تثير الظن، مع أن الدليل القطعي قد تعرض فيه الشبهات ولذلك اختلف العقلاء في حديث العالم وكثير من المسائل العقليات القطعيات، لكن عروض الموانع لا عبرة بها لأنا لا ندعي وجوب حصول الإجماع، بل ندعي أنه إذا حصل كان حجة، وتعذُّر حصوله في كثير من الصور لا يقدح في ذلك، وأما وجه الفرق بين الجلية والخفية فظاهر مِمّا تقدم.