من ذلك المجموع القطع بذلك المدلول، وأن الإجماع حجة، والعلماء في الكتب ينهون بتلك الجزئيات من النصوص على ذلك الاستقراء الكليّ؛ وليس من الممكن أن يضعوا ذلك المفيد للقطع في كتاب، كما أن المنبه على سخاء
حاتم في كتابه يذكر حكايات عديدة وهي وإن كثرت لا تفيد القطع. لكن القطع حاصل بسخائه بالاستقراء التام، فالغفلة عن هذا هو الموجب لورود أسئلة وردت على الإجماع من عدم التكفير به، وكون أصله ظنياً وهو قطعي، إلى غير ذلك من الأسئلة وهي بأسرها تندفع بهذا التقرير.
ويجوز عند مالك رحمه الله تعالى انعقاده عن القياس والدلالة والأمارة، وجوزه قوم بغير ذلك بمجرد الشبه والبحث. ومنهم من قال لا ينعقد عن الأمارة بل لا بد من الدلالة، ومنهم من فصل بين الأمارة الجلية وغيرها.
حجة الجواز بالأمارة: أنها أمر يفيد الظن فأمكن اشتراك الجميع في ذلك الظن كما أن الغيم الرطب إذا شاهده أهل الأرض كلهم اشتركوا في غلبة الظن من قبله بالأمطار، وكذلك أمارات الخجل والوجل (?) المفيدة لظن ذلك يمكن اشتراك الجمع العظيم في إفادة ظنها لذلكن فكذلك أمارات الأحكام من القياس وغيره، والمراد بالدلالة ما أفاد القطع، وبالأمارة ما أفاد الظن؛ لأن الدليل والبرهان موضوعان في عرف أرباب الأصول لما أفاد علما والأمارة لما أفاد الظن؛ والطريق صادق على الجميع لأن الأولين طريق إلى العلم، والثالث طريق إلى الظن.
وأما قولي: جوزه قوم بمجرد الشبهة والبحث؛ فأصل هذا الكلام أنه وقع في المحصول أنه جوزه قوم بمجرد التبخيت، ووقع معها من الكلام للمصنع ما يقتضي أنها شبهة لقوله في الرد عليهم لو جاز بمجرد التبخيت لانعقد الإجماع عن غير دلالة ولا أمارة وأنتم لا تقولون به. دل ذلك على أن القائلين بالتبخيت لا يجوزون العرو