وعدم الفصل فيما جمعوه فإن جميع ما خالفهم يكون خطأ لتعيين الحق في جهتهم.
قال الإمام فخر الدين: إن قالوا لا نفصل بين المسألتين لم يجز الفصل، وكذلك إن علم أن طريقة الحكم واحدة في المسألتين، فإن لم يكن كذلك فالحق جواز الفرق، وإلا كان من وافق الشافعي في مسألة لدليل أن يوافقه في الكل، إنّما لم يجز الفصل لأنهم صرحوا بعدمه فيكون عدمه هو الحق، والفصل باطلاً فيمتنع، ومثاله: ذوو الأرحام اتفقوا على عدم الفصل بينهم، فمن ورث العمة ورث الخالة بموجب القرابة ولارحم، ومن لم يورث العمة لم يورث الخالة لضعف القرابة عن التوريث، فلا يجوز لأحد أن يورث العامة دون الخالة، ولا الخالة دون العمة، فالطريقة واحدة في المسألتين، وإن كان المدرك مختلفاً، بأن يقول أحد الفريقين لا أورث الخالة لأنها تدلي بالأم، ويقول الآخر لا أورث
العمة لبعدها من الأب، جاز الفصل بسبب أن اختلاف المدارك يسوغ ذلك، لأنه إذا قال قائل أورث العمة لشائبة الإدلاء بالأب ولا أورث الخالة لإدرائها بالأم، وجهة الأمومة ضعيفة فهذا قد قال بالتوريث في العمة، وقد قاله بعض الأمة، فلم يخرق الإجماع وقال بعدم التوريث في الخالة. وهو قول بعض الأمة فلم يخرق الإجماع، وكذلك قال باعتبار ما اعتبره من العلة بعض الأمة، فلم يخالف الإجماع. أما لو كانت الطريقة واحدة كما في التمثيل الأوّل كان خارقاً للإجماع باعتبار المدرك، لأن كلّ من قال باعتبار أحد المدركين قال باعتباره في الجميع، وانعقد الإجماع على أنه إذا ألغى إحدى العلتين بقيت الأخرى، فالقول بإلغائها في البعض دون اعتبار الآخر خلاف الإجماع.
من هنا حسن التنظير بالشافعي - رضي الله عنه -، فإن الإنسان إذا وافقه في مسألة لمدرك فقد اعتقد صحة ذلك المدرك، فيلزمه أن يتبعه في فروع ذلك المدرك كلها. أما إذا كانت مدارك الشافعي مختلفة كما هو الواقع فلا يلزم من موافقته في مسألة موافقته في جميع المسائل؛ لأن مدرك تلك المسائل غير مدرك تلك المسألة، فكذلك