قصدوا إفهامنا الظاهر فهو إغراء بالجهل وهو لا يجوز على الله تعالى، أو غير الظاهر وهو تكليف ما لا يطاق، لأن فهم غير الظاهر بغير بيان محال، فتعين تقديم الباين الإجمالي خلوصاً من الجهل.
الثاني لو جوزنا تأخير البيان مطلقاً فيما له ظاهر لم يكن لنا طريق إلى معرفة وقت الفعل، فإنه إذا قال افعلوا غداً فيجوز أن يريد بقوله غدا ما بعده مجازاً، ولم يبينه لنا فلا نثق بوقت البتة.
والجواب عن الأوّل: أن الجهل لا يستحيل امتحان الله تعالى الخلق به على أصولنا. وعن الثاني: أنا نكتفي بالظاهر المفيد للظن طابق أم لا، فإن ادعيت أنه لا بد من اليقين فممنوع.
ويجوز له عليه الصلاة والسلام تأخير ما يوحى إليه إلى وقت الحاجة، لنا قوله تعالى: «فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه» (?) وكلمة ثم للتراخي فيجوز التأخير وهو المطلوب.
لنا أن التبليغ يقتضي المصلحة فقد تكون في التعجيل وقد تكون في التأخير، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام لو أوحي إليه بقتال أهل مكة بعد سنة كانت المصلحة تتقاضى تأخير ذلك إلى وقته لئلا يستعد العدو للقتال ويعظم الفساد، ولذلك أنه عليه السلام لما أراد قتالهم قطع الأخبار عنهم وسد الطرق حتى دهمهم، وكان ذلك أيسر لأخذهم وقهرهم، فكذلك يجوز تأخير الإبلاغ في بعض الصور بل يجب.
يجب البيان لمن أريد إفهامه فقط، ثم المطلوب قد يكون عِلماً فقط كالعلماء بالنسبة إلى الحيضن أو عملاً فقط كالنساء بالنسبة إلى أحكام الحيض