ويجوز البيان بالفعل خلافاً لقوم. وإذا تطابق القول والفعل فالبين القول والفعل مؤكد له، وإن تنافيا نحو قوله عليه الصلاة والسلام: «من قرن الحج إلى العمرة فليطف لهما طوافاً واحداً» وطاف عليه الصلاة والسلام لهما طوافين، فالقول مقدم لكونه يدل بنفسه، ويجوز بيان المعلوم بالمظنون خلافاً للكرخي.

حجة المنع من البيان بالفعل أن الفعل تطويل، وتأخير البيان مع إمكانه وتيسره عبث من المبين وهو على الله تعالى محال.

جوابه: أن البيان بالقول قد يكون أطول من البيان بالفعل كالأشياء الغامضة الدقيقة فإنَّها لا تظهر بألفاظ كثيرة وتكرار كثير جداً، ومجرد الفعل مرة واحدة يصير ضرورية عند من شاهد ذلك الفعل، سلمنا أنه أطول لكنه قد وقع كما تقدم بيانه في الحج وغيره، ثم ما فيه من التطويل معارض بأن البيان بالفعل أقوى عند النفس وأثبتن ولذلك أن الصنائع تنضبط بمشاهدة الأفعال دون الأقوال المجردة، كالتجارة والصياغة وغيرهما، وإنما قدم القول على الفعل في البيان، لأن القول يدل بمجرد الوضع، والفعل لا يدل إلاّ بالقول الدال على كونه دليلاً، كما دل قوله تعالى: «وما آتاكم الرسول فخذوه» (?) ولولا ذلك لم يكن الفعل حجة، وما هو حجة بنفسه أولى مِمّا لا يكون حجة بنفسه.

وتمثيلي بكونه عليه الصالة والسالم طاف لهما طوافين، مبني على أنه عليه الصلاة والسلام كان في حجة الوداع متمتعاً، وهي مسألة ثلاثة أقوال: قيل متمتعاً، وقيل مفرداً، وقيل قارناً. والإمام فخر الدين مثَّل بذلك فاتبعته.

وأما بيان المعلوم بالمظنون فيريد به بيان المتواتر بالآحاد، وذلك كما بين عليه الصلاة والسلام: «فيما سقت السماء العشر» ومعنى ذلك أن الحديث إذا بلغ إلينا جاز أن نعتمد عليه في البيان، وإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015