شاء الله تعالى، وأما الكلام النفساني الذي هو قائم بذات الله تعالى فلا يمكن البيان به، لأن الصفات الربانية كلها مدلولة دلالة، وإنما يدلنا ما ظهر لحواسنا، والذي يظهر لحواسنا في مجاري العادات إنّما هو اللساني لا النفساني، وإذا تعذر تجويز البيان على الله تعالى بالبيان القولي وأنه يخلقه في بعض عباده، جاز أن يبين تعالى بالفعل والكتابة والإشارة، بأن يخلق هذه الأمور في بعض مخلوقاته، ويقع بياناً كما قلناه في الأصوات، ولا فرق بينهما إلاّ في الصورة.
يجوز ورود المجمل في كتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - خلافاً لقوم، لنا أن آية الجمعة وآية الزكاة مجملتان وهما في كتاب الله تعالى.
حجة المنع أن الوارد في الكتاب والسنة إما أن يكون المراد به الإفهام أو لا، والثاني عبث، والأول إما أن يكون مع ذلك المجمل بيانه أو لا، والأول تطويل بغير فائدة، وإن لم يكن معه بيانه جاز أن لا يصل إلى السامع فيلزم التضليل وكل ذلك مفسدة ينزه الكتاب والسنة عنها.
وجوابه: أن عندنا يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا يستحيل عليه تعالى إيقاع المكلف في الجهالة والضلالة، وأما على أصول المعتزلة ونحن أيضاً - إذا سلمنا ذلك - فلنا أن نقول في ذلك فوائد ومصالح: إحداها امتحان العبد حتى يظهر تثبته وفحصه عن البيان فيعظم أجره، أو إعراضه فيظهر تخلفه وعصيانه. وثانيتها: إذا ورد المجمل وورد بعده البيان ازداد شرف العبد بكثرة مخاطبة سيده له. وثالثتها: أن الحروف إذا كثرت الأجور لقوله عليه الصلاة والسلام: «من قرأ القرآن وأعربه كان له بكل حرف عشر حسنات» ،
ويعظم أيضاً أجر الحفظ والضبط والكتابة وغير ذلك. فهذه مصالح تترتب على الإجمال.