كان المطلق عموماً كان التقييد مخصصاً منقصاً لمقتضى اللفظ، وتخصيص المنطوق بالمفهوم فيه نظر، وتوقف فيه الإمام لضعف المفهوم وقد تقدم بحثه وتحريره في التخصيص، والبحث في المطلق والمقيد إنّما هو موضوع بين العلماء في المطلقات التي هي مفهوم مشترك كليّ كالرقبة المنكرة، أما الكليّة للعامة الشاملة فلا، والفرق أنك في النكرة زائد على مدلول اللفظ
ولم تبطل منه شيئاً فلم يعارض التقيد اللفظ السابق، بخلاف صيغة العموم يحصل التعارض، فأحد البابين بعيد من الآخر، مع أن جماعة من العلماء لم يفرقوا وساقوا الجميع مساقة واحدة.
والفرق: كما رأيت، فهو موضوع حسن لم أر أحداً تعرض إليه.
وسبب الشهادة ضبط الحقوق، وسبب إيجاب إعتاق الرقبة الظهار، ومع اختلاف الأسباب والأحكام تتنافى الأغراض ولا يقال: إن المتكلم كمل غرضه بالتقييد، بخلاف اتحاد أحدهما، أمكن اتحاد الغرض في حق المتكلم وأن يقال إنه قصد تكميل غرضه بالتقييد، فيحمل المطلق على المقيد، والحدث واحد هو سبب والوضوء، وبدله الذي هو التيمم. وقال الله تعالى في الوضوء: «وأيديكم إلى المرافق» (?) ، وقال في التيمم: «فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه» (?) ولم يقال تعالى إلى أين يمسح، فقيل تيمم إلى المرفقين حملاً للمطلق على المقيد، وقيل إلى الكوعين لأنه عضو أطلق النص فيه فيختص بالكوعين، قياساً على القطع في السرقة، وقيل التيمم إلى الإبطين لأنه موجب اللغة لأن اليد اسم للجارحة من الإبط إلىالأصابع.
ومالك وإن قال المفهوم حجة، وقال أيضاً إن المطلق يحمل على المقيد في الظهار وغيره، إلاّ أنه هنا لم يقل به تغليباً لدلالة المنطوق على المفهوم، أو لأن هذا ليس من باب المطلق والمقيد، بل من باب التخصيص بالمفهوم كما تقدم بيانه.
وأما إذا اختلف السبب واتحد الحكم فالذي حكاه القاضي عبد الوهاب في كتاب الإفادة وكتاب الملخص عن المذهب: عدم الحمل إلاّ القليل من أصحابنا حجة الحمل أن المطلق في ضمن المقيد؛ فإن الرقبة المؤمنة رقبة مع قيد والثابت مع قيد ثابت قطعاً، فالآتي بالقيد عامل بالدليلين قطعاً؛ فيكون أرجح فيجب المصير إليه، ولأن القرآن كالكلمة الواحدة فيحمل المطلق على المقيد؛ لأن القيد كالمنطوق به مع المطلق، ولأن الشهادة أطلقت في قوله تعالى: «شهيدين من رجالكم» (?)