لفظ الاستثناء على هذه الصيغة مجاز، وأن الثنْي حقيقة في الأجسام، فاستعماله في المعاني ينبغي أن يكون مجازاً، ويقال ثنيا وثنوا واستثناء، وهذه الألفاظ تطلق على معنيين بطريق الاشتراك أو المجاز في أحدهما، والحقيقة في الآخر؛ فإخراج بعض من كلّ بلفظ (إلاّ) ونحوها يسمى استثناء أيضاً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام «من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف» أي قال إن شاء الله تعالى، وهذا تعليق، وكذلك نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الثُّنيا. قال العلماء معناه بيع وشرط، مع أن صاحب المحكم في اللغة وغيره نقل أن الاستثناء والثنيا والثنو بمعنى واحد، فاحتمل أن تكون هذه الألفاظ مشتركة بين المعنيين، واحتمل أن تكون حقيقة في أحدهما مجازاً في الآخر هو محل نظر، وعلى التقديرين المعنيان مختلفان وليس معنى واحداً.
والذي أحفظه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - إنّما هو في التعليق على مشيئة الله، وأن مستنده في ذلك قوله تعالى: «ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلاّ أن يشاء الله، واذكر ربك إذا نسيت» (?) أي إذا نسيت أن تستثني عند القول فاستثن بعد ذلك، ولم يحدد تعالى لذلك غاية، فروى عنه جواز النطق بالمشيئة استثناءً أبدا، وروى عنه أيضاً سنة، وهذا كله في غير إلاّ وأخواتها، فحكاية الخلاف عنه في إلاّ وأخواتها لم أتحققه. والمروي عنه ما ذكرته لك؛ فأخشى أن يكون النقل اغتر بلفظ الاستثناء، وأنه وجد ابن عباس يخالف في الاستثناء وهذا استثناء فنقل الخلاف إليه، وليس هو فيه اغتراراً باللفظن مع أن المعاني مختلفة، فهذا ينبغي أن يُتأمل.
وبالجملة فتجري على العادة من غير تفصيل، فتقول حجة الانفصال أمور: أحدها قوله تعالى: «غير أولي الضرر» (?) فإنَّها نزلت بعد قوله تعالى: «لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون» (?) فشكا ابن أم مكتوم ذلك لرسول الله - صلى