وثالثها: أن الكلام لو كان في الحقيقة العرفية لكان استدلالهم بالعرفيات، وكانوا يقولون: لأن أهل العرف يقولون، وهم لا يقولون ذلك، بل يقولون في استدلالهم: فرقت العرب بين ضمير المفرد وضمير التثنية وضمير الجمع فقالوا اضرب ضرباً ضربوا، وقالوا رجلان ورجل، ففرقوا بين التثنية والجمع، ويستدلون بآيات الكتاب العزيز، وذلك كله يقتضي أنهم لا يريدون العرف، فإن من ادعى العرف غير اللغة لا يمكنه التمسك بالقرآن؛ فإنه لم ينزل بالعرف بل باللغة، وهذا واضح وحينئذ يتعين أنهم يريدون الحقيقة اللغوية وهي مشكلة كما تقدم.
بل الذي تقتضيه القواعد أن يقولوا أقل مسمى الجمع المنكر من جموع القلة اثنان أو ثلاثة وأقل جموع الكثرة المنكرة أحد عشر، هذا متجه لا خفاء فيه. أما التعميم فمشكل جداً.
ومقتضى القواعد أن القائل إذا قال لله عليّ صوم شهور، أن يلزمه أحد عشر شهراً لأنه جمع كثرة، أو صوم أيام أن يلزمه ثلاثة لأنه جمع قلة، أو قال عليّ له دراهم أو دنانير أن يلزمه أحد عشر لأنه جمع كثرة، وتتقرر الفتاوى وأقضية الحكام على هذه الصورة حتى يثبت لهذه القواعد ناسخ عرفي أو شرعي. فهذه وجه الإشكال.
وأنا الآن أجري على عادتهم في الحجاج فأقول حجة القول بالثلاثة ما تقدم من تفرقة العرب بين التثنية والجمع ضميراً وظاهراً والأصل في الاستعمال الحقيقة ولأنه المتبادر للفهم عرفاً فوجب أن يكون لغة كذلك، لأن الأصل عدم النقل والتغيير، فمن قال معي دراهم لا يفهم السامع إلاّ ثلاثة فأكثر، حجة الاثنين قوله تعالى: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا» (?) فأطلق ضمير الجمع الذي هو الواو على الطائفتين وهو تثنية، وقوله تعالى: «وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين» (?) فقوله لحكمهم ضمير جمع عائد على داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام، فدل على أن الاثنين يصدق عليهما الجمع. وقوله تعالى: «وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب» إلى قوله: «إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة» (?) فقوله إن هذا أخي يقتضي أنهما كانا اثنين مع ذلك فقال تعالى: