ومثال أفعال أجمال وأحمال، ومثال أفعلة أرغفة وفعلة نحو صبية وغِلمة، فهذه هي جموع القلة إذا كانت منكرة يكون للعشرة فدونها إلى الاثنين أو الثلاثة على الخلاف، وإن كانت معرفة صارت لما لا يتناهى وهو العموم، ولا يبقى لمسماها أقل ولا أكثر، بل رتبة واحدة وهي العموم بخلاف المنكر، فإن مسماه، وهو كونه جمعاً متردد بين مراتب مختلفة، وكل تلك
المراتب يصدق عليها أنها جمع فألف رجل جمع، ورجال وثلاثة جمع.
قال صاحب المفصل قد يستعار لفظ الجمع الموضوع للقلة للكثرة، والموضوع للكثرة للقلة، وقوله قد يستعار كلّ واحد منهما للآخر يدل على أنه ليس موضوعاً له فإن المستعار مجاز إجماعاً، وكذلك قال ابن الأنباري قد يستعار كلّ واحد منهما للآخر بسبب اشتراكهما في معنى الجمع، فإبداؤه للعلاقة المصححة للمجاز دليل المجاز، وكذلك قال غيرهما.
واستشكل جماعة من المفسرين والنحاة قوله تعالى: «ثلاثة قروء» (?) فقالوا ثلاثة دون العشرة، فكان المنطبق عليها أقراء الذي هو أفعال لأنه من صيغ جموع القلة أما قروء [الذي على وزن (?) ] فعول فهو من جموع الكثرة فلم يعبر به عن الثلاثة، مع إمكان التعبير بما ينطبق على الثلاثة، وهذا كله يقتضي أن جمع الكثرة لم يتناول ما دون العشرة إلاّ مجازاً ولا يتناوله حقيقة، ويشكل جعل أقل مسماه ثلاثة بل أحد عشر، وهذا موضع صعب وأجاب عنه بعض الفضلاء.
قال: الجواب عنه أن الكلام في هذه المسألة إنّما هو في الحقيقة العرفية دون اللغوية والعرف سوى بين القسمين القلة والكثرة، فلذلك أطلقت الفتيا في القسمين.
وهو جواب لا يصح لأن بحث العلماء في أصول الفقه المهم منه الحقيقة اللغوية دون غيرها وهي المراد بقولنا الأمر للوجوب، والأمر للتكرار، والصيغة العموم، والأمر للفور، والنهي للتحريم، وغير ذلك من المباحث إنّما يريدون الحقيقة اللغوية وهي المهمة في أصول الفقه، حتى إذا تقررت حمل عليها الكتاب والسنة.
وثانيها: إذا سلم له أن بحثهم في الحقيقة العرفية فلم لا ذكروا اللغوية، وكيف يليق أن يعتقد فيهم أنهم تركوا المهم أبداً ولم يذكروا إلاّ غير المهم؟!