حجة الفور قوله لإبليس «ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك» (?) فلولا الفور لكان من حجة إبليس أن يقول إنك أمرتني بالسجود ولم توجب على الفور فلا أعتب، وحجة القول بأنه إذا فات لا يلزم مثله في وقت آخر إلا بدليل منفصل: إن الأوامر تابعة للمصالح، وكون الأوقات المستقبلة مساوية للوقت الحاضر أمراً مشكوكاً فيه، فوجب أن لا يجب إلا بأمر جديد يدل على مساواة الزمن الثاني للأول في المصلحة. فإن الأصل عدمها فضلاً عن مساواتها.
حجة القول بأنه يلمه في الزمن الثاني بالأمر الأول: أن الأمر دل على أصل الفعل والزمن الفوري والدال على المركب دال على مفرداته بالتضمن، وقد تعذر أحد الجزئين وهو الزمن الفوري، فيوجب أن يبقى الأمر متعلقاً بالجزء الآخر، وهو أصل الفعل، فيفعله المأمور في أي زمان شاء بعد ذلك.
وهو عنده للتكرار، قاله ابن القصار من استقراء كلامه، وخاله أصحابه وقيل بالوقف، لنا قوله تعالى لإبليس ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك رتب الذم على ترك المأمور به في الحال، وذلك دليل الوجوب والفور، وأما التكرار للصحة للاستثناء في كل زمان من الفعل.
قال القاضي عبد الوهاب في الملخص: مذهب أصحابنا للمرة الواحدة، وقاله كثير من الحنفية والشافعية، قلت: وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي في كتاب اللمع: إن القائلين بالتكرار قالوا بذلك في أزمنة الإمكان دون أوقات الضرورات، فيكون على هذا إطلاق غيره محمولاً على تقييده، وقولي في أصل الكتاب: عنده، أريد مالكاً، ويدل على التكرار أنه لو لم يكن للتكرار لامتنع ورود النسخ عليه بعد الفعل، ولأنه ضد النهي، وهو لتكرار، فيكون للتكرار؛ لأن العرب تحمل الشيء على ضده كما تحمله على مثله، كما نصبوا (بلا) قياساً على (أن) وهي ضدها، وحجة المرة الواحدة أنه ورد التكرار كما في الصلوات الخمس، وللمرة الواحدة كما في الصلاة على رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -، والأصل عدم المجاز