وثانيهما: ذكره بعض الفضلاء فقال: كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جملة واحدة، وتقدم الظاهر من الجملة يبعد استعمال الظاهر موضع الضمير، بل الضمير هو الحسن، وكلام الخطيب جملتان إحداهما مدح والأخرى ذم، فلذلك حسن منه استعمال الظواهر مكان المضمرات.

والفاء للتعقيب والترتيب والتسبب نحو سها فسجد.

قال الإمام فخر الدين: الفاء للتعقيب بحسب الإمكان، احترازاً من قولهم دخلت بغداد فالبصرة، فإنه إذا كان بينهما ثلاثة أيام فدخل بعد الثلاثة فهذا تعقيب عادة، أو بعد خمسة أو أربعة فليس بتعقيب، ولا يشترط في تعقيب دخول البصرة أن يكون تليه بالزمن الفرد فذلك مستحيل، فلا يكون الوضع له.

وقولنا للتعقيب احتراز من (ثُم) فإنها للتراخي والتسبب، كما في قولنا سها فسجد، وسرق فقُطع، وزنا فرُجم، أي هذه المقدمات أسباب لما بعدها، والدليل على أنها للترتيب أنها يجب دخولها في جواب الشرط إذا كان جملة اسمية نحو: من دخل داري فله دينار، قال النحاة لو لم يقل (فله) بل قال (له) بغير فاء لكان إقراراً بالدينار ولزمه دفعه له، ولم يكن تعليقاً للدينار على دخول الدار، وكان الشرط المتقدم يبقى لغواً بغير جواب. وكذلك إن دخلت الدار فأنت طالق أو فأنت حر، لو حذف الفاء طلقت وعتق العبد في الحال، لأن الموجب لتعليق الطلاق إنما هو الفاء في الجملة الاسمية، فإذا عدمت انقطع الكلام عما قبله فصار إنشاء لا تعليقاً؛ من حيث دلالة اللفظ لا من حيث الإرادة والفتيا؛ فإذا كانت الفاء هي التي ترتب دل على أنها للترتيب.

وثم للتراخي.

هذا حقيقتها؛ فتقتضي أن ما بعدها وقع بعد ما قبلها وبينهما فترة، بخلاف الفاء وقد تستعمل لتراخي الرتب دون الزمان من باب مجاز التشبيه، كقوله تعالى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015