قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف:11] أي: ألقينا عليهم النوم حين دخلوا إلى الكهف، فناموا سنين كثيرة].
هذه الآيات فيها أن هؤلاء الفتية فروا بدينهم من الفتن، وهذا له أصل في شريعتنا, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن) قال العلماء: إن هذا يكون عند فساد الزمان وخلو المدن والقرى من العلم والخير، بحيث لا يكون فيها جمعة ولا جماعة ولا نصيحة، فحينئذ يفر المسلم من الفتن، يفر بدينه إلى البوادي والصحاري ويتبع بغنمه شعف الجبال، وإلا فلا يجوز الفرار إلى البوادي، وترك الجمعة والجماعة؛ لأنه قد جاء الوعيد الشديد لمن رجع أعرابياً بعد أن كان من أهل المدينة أو القرية كما جاء في الحديث.
إذاً: فالمقصود أن التعرب والسكن في البادية لا يجوز إلا عند خلو المدن والقرى من الخير، بحيث لا يكون فيها جمعة ولا جماعة ولا أمر ولا نهي، وخاف الإنسان على نفسه، فله أن يفر بدينه من الفتن، وهؤلاء الفتية أصحاب الكهف فروا بدينهم؛ لئلا يفتنهم قومهم، فقد أرادوهم على الشرك ففروا بدينهم، فأووا إلى الكهف، وهؤلاء الفتية شباب فروا بدينهم، وولجئوا إلى الله عز وجل وسألوه أن يهيئ لهم من أمرهم رشداً، فجعلهم آية وعبرة.