قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال أبو العالية: كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب، يقولون: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوباً عندنا حتى نعذب المشركين ونقتلهم، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسداً للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]].
والأحفاد على سيرة الأجداد، واليهود الموجودون في فلسطين الآن هم على آثار آبائهم وأجدادهم، فلا يرجى منهم خير، واليهود قوم بهت، ولم يسلم منهم إلا القلة منذ عهود طويلة، بخلاف النصارى فإنه يسلم منهم الآن المئات والآلاف في المراكز الإسلامية، لكن ما سمعنا أن يهودياً أسلم، فاليهود قوم بهت خبثاء، ولم يسلم منهم إلا القلة، مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه.
وقد جاء في حديث فيما معناه: (لو أسلم عشرة لأسلم أو لتبعهم الكثير)، فاليهود عندهم حسد وعناد وعتو وجبروت وقسوة في القلوب، نعوذ بالله، والنصارى أرق منهم وأقرب إلى قبول الحق، ولهذا فإنه يسلم الآن المئات في المراكز الإسلامية وفي مكاتب الدعوة، وفي الشركات والمؤسسات وغيرها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال قتادة: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة:89].
قال: وكانوا يقولون: إنه سيأتي نبي: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة:89].
وقال مجاهد: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]، قال: هم اليهود.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب قال حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان من أهل بدر قال: كان لنا جار يهودي في بني عبد الأشهل قال: فخرج علينا يوماً من بيته قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيهم سناً على بردة مضطجعاً فيها بفناء أصلي، فذكر البعث والقيامة والحساب، والميزان، والجنة والنار، قال ذلك بأهل شرك أصحاب أوثان لا يرون بعثاً كائناً بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائناً؛ أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار، يجزون فيها بأعمالهم؟ فقال: نعم، والذي يحلف به، لود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه، وأن ينجو من تلك النار غداً، قالوا له: ويحك، وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة واليمن، قالوا: ومتى تراه؟ قال: فنظر إلي وأنا من أحدثهم سناً فقال: إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا فآمنا به، وكفر به بغياً وحسداً، فقلنا: ويلك يا فلان ألست بالذي قلت لنا؟ قال: بلى وليس به.
تفرد به أحمد.
وحكى القرطبي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن يهود خيبر اقتتلوا في زمان الجاهلية مع غطفان، فهزمتهم غطفان، فدعا اليهود عند ذلك فقالوا: اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا بإخراجه في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم، قال فنصروا عليهم، قال: وكذلك كانوا يصنعون يدعون الله فينصرون على أعدائهم ومن نازلهم.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا} [البقرة:89] أي: من الحق وصفة النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به فلعنة الله على الكافرين.