قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، كما روى شعبة عن سليمان عن عبد الله بن مرة عن أبي معمر قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟! وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا محمد بن يزيد عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس:31] فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟! منقطع].
هذا الإسناد الأخير منقطع لأن إبراهيم التيمي ما أدرك أبا بكر رضي الله تعالى عنه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أبو عبيد أيضاً: حدثنا يزيد بن حميد عن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ على المنبر {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس:31] فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر].
يعني التكلف في معرفة هذا النبت من أي شجرة هو، وأما كونه نبتاً فمعروف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال عبد بن حميد: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي ظهر قميصه أربع رقاع فقرأ: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس:31] فقال: فما الأب؟ ثم قال: هو التكلف، فما عليك أن لا تدريه.
وهذا كله محمول على أنهما رضي الله عنهما إنما أرادا استكشاف علم كيفية الأب، وإلا فكونه نبتاً من الأرض ظاهر لا يجهل؛ لقوله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا} [عبس:27 - 28] الآية.
وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها فأبى أن يقول فيها.
إسناده صحيح].
يعني أنه توقف ولم يجب حتى يتأمل وينظر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال: سأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما عن يوم كان مقداره ألف سنة، فقال له ابن عباس: فما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ فقال له الرجل: إنما سألتك لتحدثني! فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما.
فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم].
يعني بذلك اليوم المذكور في قول الله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:1 - 4]، وظاهر هذا أنه يوم القيامة؛ لأنه تعالى قال بعد ذلك: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} [المعارج:5 - 9]، وأما اليوم الثاني فهو المذكور في قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47] قال بعضهم: إنه يوم من أيام الله، وإن المراد بألف سنة العروج والصعود، فإن نزول جبريل مقداره خمسمائة وصعوده مقداره خمسمائة، فما بين السماء إلى الأرض مقدار خمسمائة، كما ذكر الله تعالى ذلك في سورة السجدة فقال: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة:5]، وابن القيم رحمه الله في القصيدة النونية ذكر الخلاف في ذلك، فإنه لما ذكر قوله تعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] ذكر قولين: القول الأول: إنه يوم القيامة.
والقول الثاني: إن المراد بخمسين ألف سنة المدة المحسوبة من العرش إلى الأرض السفلى، فاليوم الأول من السماء إلى الأرض، وخمسون ألف سنة من السماء إلى العرش، فبين كل سماء وسماء مسافة، وفوق السماء السابعة بحر، ثم بعد ذلك العرش، يقول: أختار أن المراد النزول من العرش إلى الأرض، فهذا النزول مقداره خمسون ألف سنة، واليوم الأول من السماء إلى الأرض، والقول الثاني أنه يوم القيامة، وهذا هو الأقرب، ثم لما اختار أحد القولين قال في آخر القصيدة الكافية الشافية: إن هذه المسألة لم تحتمل في ذهني، وأنا متوقف فيها، وأعوذ بالله من أن أقول بغير علم، وكلامه جميل في هذا، وقال: من كان عنده علم فليبده.
أو كما قال رحمة الله عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن جرير أيضاً: حدثني يعقوب -يعني ابن إبراهيم - حدثنا ابن علية عن مهدي بن ميمون عن الوليد بن مسلم قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله رضي الله عنه فسأله عن آية من القرآن، فقال: أحرج عليك إن كنت مسلماً لما قمت عني أو قال: أن تجالسني].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: إنا لا نقول في القرآن شيئاً، وقال الليث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن، وقال شعبة عن عمرو بن مرة قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء.
يعني عكرمة].
وذلك لأن عكرمة كان من تلاميذ ابن عباس، وكان مولى لـ ابن عباس، حتى إنه كان يدرسه ويعلمه وهو في القيد، فحصل علماً كثيراً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن شوذب: حدثني يزيد بن أبي يزيد قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.
وقال ابن جرير: حدثني أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد حدثنا عبيد الله بن عمر قال: لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وسعيد بن المسيب ونافع.
وقال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن هشام بن عروة قال: ما سمعت أبي تأول آية من كتاب الله قط، وقال أيوب وابن عون وهشام الدستوائي عن محمد بن سيرين: سألت عبيدة -يعني السلماني - عن آية من القرآن فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
وقال أبو عبيد: حدثنا معاذ عن ابن عون عن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه قال: إذا حدثت عن الله حديثاً فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده.
حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه.
وقال شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: قال الشعبي: والله ما من آية إلا وقد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله عز وجل].
وإبراهيم النخعي وأصحابه هم أهل الكوفة أصحاب ابن مسعود.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أبو عبيد: حدثنا هشيم حدثنا عمرو بن أبي زائدة عن الشعبي عن مسروق قال: اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله].