ابن عباس ترجمان القرآن

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث قال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).

وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار وحدثنا وكيع حدثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم قال عبد الله -يعني ابن مسعود -: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.

ثم رواه عن يحيى بن داود عن إسحاق الأزرق عن سفيان عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال: نعم الترجمان للقرآن ابن عباس].

مسلم بن صبيح هو غير الربيع بن صبيح.

ومسلم بن صبيح يروي عن أبي الضحى، وأبو الضحى يروي عن مسروق عن ابن مسعود، وفي بعض الطرق: (عن أبي الضحى عن ابن مسعود) وهذا إسناد منقطع؛ لأن أبا الضحى لم يسمع من ابن مسعود، بل بينهما واسطة.

وقوله: [نعم الترجمان للقرآن ابن عباس] هذه شهادة من ابن مسعود لـ ابن عباس رضي الله عنهما.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم رواه عن بندار عن جعفر بن عون عن الأعمش به كذلك، فهذا إسناد صحيح إلى ابن مسعود أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة، وقد مات ابن مسعود رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعمر بعده عبد الله بن عباس ستاً وثلاثين سنة، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود؟!].

يعني: إذا كان ابن مسعود شهد لـ ابن عباس بقوله: [نعم ترجمان القرآن ابن عباس] في حياته ثم توفي وعاش بعده ابن عباس ستاً وثلاثين عاماً وهو يتعلم ويجتهد فكيف سيكون علمه؟! وقد كان عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، لكنه كان حريصاً على العلم، وقد أخذ من الصحابة، وكان له زميل من الأنصار في أول الطلب، فقال زميله من الأنصار: يا ابن عباس! تظن الناس يحتاجون إلينا! فتركه ابن عباس وانصرف الأنصاري، وقال: الناس ليسوا بحاجة إلينا، والصحابة كثيرون.

فشمر ابن عباس في طلب العلم، فكان يأتي إلى الصحابة في بيوتهم، وكان إذا بلغه حديث عن بعض الصحابة أو أراد أن يأخذ العلم منه أتى إلى بابه، ثم توسد ذراعه ونام تحت الباب حتى يخرج، فإذا خرج قال: ما لك يا ابن عم رسول الله؟ ألا أخبرتني؟ ألا طرقت علي فأخرج؟ وما زال يجتهد ويحرص ويجد ويجتهد ويستغل الوقت في الأخذ عن الصحابة حتى بلغ شأناً عظيماً في العلم، ومات كثير من الصحابة وبقي، فصار مرجع الناس في العلم، وصار الناس يأتون إليه من كل مكان، وكان يجلس للناس بعد صلاة الفجر، فيأتيه أهل التفسير، ثم يأتيه أهل الحديث، ثم يأتيه أهل اللغة، ثم يأتيه جميع أصحاب الفنون حتى يرتفع الضحى، وذلك الأنصاري الذي تركه لم يكن عنده شيء من العلم، فلما رأى حال ابن عباس ورأى ما أوتي من العلم ومجيء الناس إليه قال لبعض أصحابه: هذا أعقل مني يعني ابن عباس؛ لأنه بقي في طلب العلم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الأعمش عن أبي وائل: استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس فقرأ في خطبته سورة البقرة -وفي رواية سورة النور- ففسرها تفسيراً لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا، ولهذا غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره عن هذين الرجلين: عبد الله بن مسعود وابن عباس].

السدي الكبير ثقة يروي عن ابن عباس وعن ابن مسعود، فهو يروي عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس، ويروي عن عروة عن ابن مسعود عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو سند السدي الكبير.

وقوله: [استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم] أي: جعل ابن عباس أميراً على الحج في خلافته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015