قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك؛ لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح، لاسيما علماءهم وكبراءهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين المهديين وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم.
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا جابر بن نوح حدثنا الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود -: والذي لا إله غيره ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته].
هذا من حرص الصحابة رضي الله تعالى عنهم على العلم، فـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يحلف أنه ما من آية إلا وهو يعلم أين نزلت وفيم نزلت وفيمن نزلت، يقول: ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه حتى أتعلم منه وأستفيد منه.
وجابر بن عبد الله -كما ذكر البخاري في صحيحه- رحل إلى عبد الله بن أنيس من المدينة إلى الشام في طلب حديث واحد، واشترى لهذه المهمة بعيراً، وكانت المسافة شهراً كاملاً.
فهذا هو حرص الصحابة الكرام، ولهذا بلغوا تلك المنزلة، فـ جابر يشتري لهذه المهمة بعيراً مع قلة ذات اليد، والآن الكتب كلها موجودة، والصحاح والسنن كلها مدونة، والحمد لله، وكل شيء الآن متوفر، والمهم هو الحرص والعناية والتفهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الأعمش -أيضاً- عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئونا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً].
وبهذا فضلوا على من بعدهم، فتعلموا العلم والعمل جميعاً، ونحن الآن ينقصنا العمل والتطبيق.