وثالثها: الجزء الذي يتلو هذا وهو في موضع الصدغ. وهو ألين هذا الجدار والجزء الأوسط بين هذا وبين الجزء الحجري في الصلابة هذا، وأما عظام الزوج فهي موضوعة فوق عضل الصدغين وهي من كل جانب عظمان، ويفصل بينهما دروز ومنه وقعت التسمية بالزوج وقد خفى هذا الدرز على بعضهم حتى ظن أن في كل جانب عظماً واحداً. وهذا الدرز في وسط الصدغ. وأحد عظميه يلي مؤخر الرأس ويلتحم طرفه بالعظم الحجري، والآخر يلي مقدم الرأس ويتصل طرفه بطرف الحاجب عند اللحاظ. وهذه العظام دقيقة سهلة التجزؤ مما هي ملتصقة به بحيث تنثني بأدنى ضغط يضغطها من أسفل بمثل طرف السكين ونحو ذلك، ولها فائدتان: إحداهما: ستر عضل الصدغين. وإنما اختصت هذه العضل بذلك لأنها قريبة جداً من الدماغ. ويلزم ذلك شدة استعدادها للتضرر بما يلاقيها بعنف.
والأمر الثاني: أن تضررها كثيراً يتأدى إلى ضرر الدماغ.
والمنفعة الثانية: أنها تستر الحفرتين اللتين عند الصدغين فلا يعرض في سطح موضعها ثلمة يكون شكل الوجه منها قبيحاً.
قوله: ويحد كل واحد منهما من فوق الدرز القشري، ومن أسفل درز يأتي من طرف الدرز اللامي، ويمر به منتهياً إلى الدرز الإكليلي.
هذا الدرز هوا لذي ذكرناه أو لاً، وقد جعله مغايراً لكل واحد من الإكليلي واللامي.
وأما جالينوس فقد عرفت قوله فيه. وليس يريد بكونه يحد هذا الجدار من أسفل أن يكون موازياً للدرز القشري كما رأينا جماعة يتوهمون ذلك، بل إنه يكون كضلعي مثلث يحيطان بزاوية وترها الدرز القشري، لأن هذا الجدار شكله كما علمت شكل مثلث.
قوله: ومن قدام جزء من الإكليلي، ومن خلف جزء من اللامي. هذا إنما يصح إذا لم يكن الدرز القشري والدرز المشترك بين عظم الجبهة والفك الأعلى كلاهما في سطح واحد. بل كان أعلى منه حتى يبقى من الدرز الإكليلي جزء تحت موضع ابتداء الدرز القشري، فيكون ذلك الجزء محدداً للعظم الحجري من قدام. أعني بذلك أن يكون تمام حده القدامي إذ قد بينا أن حده القدامي هو الدرز المشترك بين ضلعه المقدم وبين العظم الوتدي. وأما عدد الثقوب التي في عظم الرأس فستعرفه في كلامنا في مخارج العصب الدماغي، ومداخل الأوردة والشرايين إليه لأن تلك الثقوب هي هذه المداخل والمخارج. والله ولي التوفيق.
الفصل الرابع
تشريح عظام الفكين والأنف
والكلام في هذا الفصل يشتمل على ثلاثة مباحث: البحث الأول تشريح عظام الفك الأعلى قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما عظام الفك الأعلى.... إلى قوله: وأما الأنف فمنافعه ظاهرة.
الشرح السبب في تكثير عظام الفك الأعلى أمور: أحدها ليكون آمناً من سريان ما يعرض من الآفات بجزء منه كما قلنا في عظام القحف.
وثانيها: أن بعض أجزائه يجب أن يكون رقيقاً جداً متخلخلاً كالعظام التي تحت الأنف. وسبب ذلك أن فضول الدماغ كثيرة الانحدار إلى هناك فيجب أن يكون ذلك الجزء دقيقاً متخلخلاً ليسهل تحللها منه، وبعض أجزائه يجب أن يكون غليظاً جداً صلباً كعظم الوجنة، وسبب ذلك أن هذا العظم ترتكز فيه الأضراس فيحتاج أن يكون شديد القوة لئلا تعرض له آفة بسبب كثرة عملها وقوته. ولأن كبر أصولها يحوج إلى حفرة عظيمة لا يليق بمثلها عظم رقيق خاصة واندفاع فضول الدماغ إلى جهتها قليل جداً، فلا تضر بها زيادة الغلظ والصلابة. وإذا كان كذلك وجب أن تكون عظام هذا الفك كثيرة كما قلنا في عظم الرأس.
وثالثها: أن هذا العضو بحذاء الدماغ، وهو بارد رطب، فتكون الفضول عنده كثيرة، وخصوصاً الفضول البخارية مما يتصعد إلى الرأس، وما يتولد فيه وذلك يحوج إلى خلل يسهل تحللها منه، فيجب أن تكون فيه المفاصل كثيرة لذلك ويلزم ذلك تكثير العظام. والسبب في أن عظام هذا الفك أكبر عدداً من عظام الفك الأسفل أمور: أحدها: أن تعرض الفك الأعلى بحصول الآفات عن العفونة ونحوها أكثر، وذلك لأجل اتصاله بالدماغ الكثير الرطوبة. وإذا كان كذلك كانت حاجته إلى منع سريان الآفات أكثر. وإنما يكون ذلك بتكثير المفاصل الذي يلزمه تكثير العظام.
وثانيها: أن حاجة الفك الأسفل إلى اختلاف الأجزاء في الصلابة واللين أقل لانتفاء السبب الذي ذكرناه عنه.