الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فيقول المؤلف: [وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: (أمرنا أن نخرج العواتق والحيض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى) متفق عليه] .
حديث أم عطية هذا له عدة جوانب في باب التشريع للصلاة، وفي النواحي الاجتماعية في الإسلام وفي المدينة آنذاك.
وهذا الحديث فيه قولها: (أمرنا) ، والآمر هنا معروف؛ لأن الذي يملك سلطة الأمر في ذلك الوقت هو النبي صلى الله عليه وسلم، وتذكر بعض المراجع أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع النسوة في بيت، ثم بعث إليهن عمر رضي الله تعالى عنه، فوقف في الباب، فسلم ثم قال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن أن تخرجن إلى المصلى.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر النسوة أن يخرجن يوم العيد إلى المصلى كما يخرج الرجال، وأم عطية رضي الله تعالى عنها تبين لنا مدى عمق وشمول هذا الأمر لجميع النساء حتى العواتق.
والعواتق من النسوة: اللاتي لا يخرجن، فهن قاصرات في بيوتهن مخدومات مكفيات مئونة الخروج؛ لأن النسوة على أقسام حسب مراتب الحياء، فهناك امرأة تخرج وتلقى الرجال، وربما باعت واشترت في الأسواق، ومن النسوة من تخرج من بيتها لقضاء حاجتها فقط وترجع، ومن النسوة من لا تخرج حتى من بيتها.
وقد قال بعض الشعراء يبين حالة امرأة تزور جارتها: كأن مشيتها من بيت جارتها مور السحاب بلا ريث ولا عجل فعابت عليه امرأة فقالت: جعلتها خراجة ولاجة، هلا قلت كما قال الآخر: تعتل عن جاراتها فيزرنها أي: تعتل وتعتذر من أن تزور الجيران، وجيرانها يأتين لزيارتها، وهي معتكفة في بيتها، فهذا الصنف من النساء خروجه قليل وثقيل عليه، فالمرأة التي لم تعهد الخروج يكون الخروج ثقيلاً عليها، كما أن المرأة المعتادة الخروج يكون جلوسها في البيت ثقيلاً عليها.
فتبين لنا أم عطية بأن الأمر شمل الحيّض، والنسوة غير الحيّض يمكن أن يصلين، وأما خروج الحيض، فقد قالوا -كما في هذا الحديث-: ليشهدن بركة ذلك اليوم، ويشهدن الدعوات بالخير.
وناحية أخرى عند العلماء: وهي أن الغرض من إخراج النسوة مع الرجال في ذلك اليوم إظهار كثرة عدد المسلمين أمام العدو، فكأنه استعراض للعدد الموجود عند المسلمين، وآنذاك كانت في المدينة اليهود بقبائلها المتعددة إلى أن انتهى أمرهم في آخر الأمر مع غزوة الأحزاب في السنة الرابعة من الهجرة.